رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: أمر الله (٢)

الكاتب محمد فودة
الكاتب محمد فودة

استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى "أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" النحل  الآية ١ وتوقفت أكثر عند قول الحق جل وعلى (أتي) هي هنا فعل ماض جاءت لتعبر عن المستقبل وهو قيام الساعة .. فكيف للفعل الماضي أن يعبر عن المستقبل؟

• الدكتور فاضل السامرائي، أستاذ النحو والتعبير القرآني في جامعة الشارقة يقول إن الفعل الماضي في اللغة العربية ليس بالضرورة أن يكون لما قد حصل فقد يكون لما شارف الوقوع وقد يكون للمستقبل الذي سيقع بعد قرون كذكر أحداث يوم القيامة في القرآن، وأحياناً يُستعمل الفعل المضارع للماضي البعيد كقوله تعالى (فلم تقتلون أنبياء الله).

وأضاف أن الزمن في اللغة العربية ليس بالبساطة التي نتصورها فالفعل الماضي له 16 زمناً في اللغة، مشيرا إلى أن المقصود بقوله تعالى (أتى أمر الله) هو ليس بالضرورة يوم القيامة فقد يكون النصر الذي أشرف على المجيء فلا تستعجلوه ولكنه تأكيد بأنه سيقع. 

وعن سبب ذكر الماضي للدلالة على التيقن من وقوعها كما يصف أحداث يوم القيامة فالأحداث المستقبلية هي بدرجة تحققها مثل الأحداث التي حصلت فليس في الفعل الماضي شك فهي بمنزلة ما مضى من الأحداث وهو حاصل وآتٍ آت، ة قد يكون اقترب أو شارف على الوقوع وقد يحتمل أن يكون النصر وقد يحتمل القيامة.

• أما شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي فقال إن الله سبحانه وتعالى قد عبر عن قرب إتيان أمر الله- تعالى- بالفعل الماضي «أتى» للإشعار بتحقق هذا الإتيان، وللتنويه بصدق المخبر به، حتى لكأن ما هو واقع عن قريب، قد صار في حكم الواقع فعلا وفي إبهام أمر الله، إشارة إلى تهويله وتعظيمه، لإضافته إلى من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

 

شاهد.. محمد فودة يكتب: نور الله ونار موسى

• ومن الأمثلة لاستخدام الفعل الماضي للمستقبل في القرآن الكريم: قال تعالى: (وسيق الذين كفروا) الزمر:71

وقوله عز وجل: {وسيق الذين اتقوا} الزمر:73

وقوله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} البقرة:210

وقوله تعالى:  {ونادى أصحابُ الجنة أصحاب النار } الأعراف ٤٤ 

• ومن أمثلة التعبير بالمستقبل عن الماضي

قوله تعالى {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما} الحديد:20 فقد عبر بالمستقبل {يهيج}، و{يكون} عن الماضي، لمنحى دلالي مقصود، وهو أن يظل مشهد الاندثار كأنه حاضر ماثل للعِيان. 

• ومما تجدر الإشار إليه أن الفرق بين الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل، وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي، أن الغرض من الأول الدلالة على إيجاد الفعل الذي لم يوجد، وتقريبه كأنه كائن، وتأكيداً على أنه سيكون. والغرض من الثاني تبيين هيئة الفعل واستحضار صورته؛ ليكون السامع كأنه يشاهدها. 

والمتحصل مما تقدم، أن الأفعال في القرآن تكتسب دلالتها الزمنية من السياق الواردة فيه، لا من بِنيتها الصرفية فحسب، وغالباً ما يكون وراء تحولها ماضياً ومستقبلاً معنى بلاغيًّا. 

 

الجريدة الرسمية