رئيس التحرير
عصام كامل

تعطيل الأحكام.. خلل في ميزان العدالة.. تزيد من معدلات الجريمة.. رسالة سلبية للمستثمرين.. والسيد البدوي وإيهاب طلعت أبرز المستفيدين

فيتو

في أعقاب الحرب العالمية الثانية.. سأل رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، عن أحوال البلاد الاقتصادية، فقيل له إنها في الحضيض جراء الحرب التي أتت على الأخضر واليابس.. فسأل عن أحوال القضاء والعدالة فأجابوه بأن القضاء والعدالة بخير، فقال مقولته الشهيرة: "طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير.. فكل البلد بخير".. وعن العدالة أيضا قيل: "حين يشعر الإنسان أنه بين كفتى ميزان العدالة برقابة أمينة تعيد الحقوق المغتصبة لأصحابها.. فأنت على الطريق الصحيح والوطن الحصين".

والمقصود بالرقابة الأمينة هنا هي الجهات المنوط بها تنفيذ أحكام القضاء، وتطبيق العدالة بنزاهة وأمانة بين المتقاضين، بعيدا عن تجاهل أحكام بعينها، أو مجاملة أشخاص مهما كانت مناصبهم ومهما بلغ نفوذهم.

وفى مصر آلاف الأحكام القضائية المعطلة بدون سبب واضح أو مسوغ قانونى مقبول، وكلما سأل أصحاب تلك الأحكام عن سبب عدم تنفيذها، لا يتلقون أي إجابات، وإذا حالفهم الحظ وتحدث معهم أي مسئول في تنفيذ الأحكام، فإنهم يتلقون ردودا واهية ومطاطة من نوعية: "قريبا سيتم التنفيذ.. لا توجد قوات كافية في الوقت الحالي.. الإجراءات غير مكتملة"، وغيرها من المبررات التي لا تثمن ولا تغنى من جوع.. المحصلة النهائية إذن عدالة شبه معطلة أو عدالة انتقائية، واختلال واضح في ميزان العدالة، لأن الجهة المسئولة عن تنفيذ الأحكام لم تقم بعملها على الوجه الأكمل.

هروب إيهاب طلعت والأمثلة على عدم تنفيذ الأحكام بلا حصر، لعل أبرزها قصة هروب رجل الأعمال إيهاب طلعت، من تنفيذ عشرات الأحكام القضائية، في اتهامات مختلفة أغلبها إصدار شيكات بدون رصيد، ما يعنى استيلاءه على حقوق آخرين دون وجه حق.

ليس هذا فحسب، بل إنه ينعم بالأموال التي استولى عليها، ويتحرك بحرية تامة على مرأى ومسمع من رجال تنفيذ العدالة، دون أن يتحرك أي منهم لضبطه وتنفيذ القانون عليه.

ومن أمثلة الأحكام الصادرة ضده: الحكم الصادر بتاريخ 24/ 4/ 2019، في القضية رقم (1059) لسنة 2017 جنح مصر الجديدة، والمقيدة برقم حصر (1205) لسنة 2019، بحبسه لمدة 3 سنوات بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، والحكم الصادر بتاريخ 24/ 3/ 2019، في القضية رقم (12200) جنح مصر الجديدة لسنة 2017، برقم حصر (888) مصر الجديدة لسنة 2019، بحبس "طلعت" 3 سنوات بتهمة إصدار شيك دون أن يقابله رصيد قائم وقابل للصرف.. والحكم الصادر بتاريخ 24/ 12/ 2018، في القضية رقم (12077) جنح مصر الجديدة لسنة 2018، برقم حصر (4074) لسنة 2018، بالحبس لمدة 3 سنوات بتهمة إصدار شيك بدون رصيد.

شاهد.."الوفد" يغلق ملف عودة "البدوي" .." أبو شقة" يحسم الجدل ويرفض شرط "المفصولين" 

السيد البدوي وهناك أيضا رجل الأعمال السيد البدوى رئيس حزب الوفد السابق، الصادر ضده عشرات الأحكام القضائية بعضها بات ونهائى وواجب النفاذ، في قضايا شيكات بدون رصيد وتزوير وتبديد.

أبرز هذه الأحكام: حكم محكمة الصادر من محكمة جنح مستأنف 6 أكتوبر، برئاسة المستشار سامح حسن الشريف، برفض الاستئناف رقم 30992 جنح مستأنف أكتوبر، المقدم من السيد البدوى وابنته منى، وأيدت حكم أول درجة بالحبس لمدة 6 سنوات، وكفالة مليون جنيه وغرامة 100 ألف جنيه لكل منهما، بعد إدانتهما في تهمة إصدار شيكات بدون رصيد، لصالح شركة "كينج توت ستوديوز" للإنتاج الفنى، والتلاعب في تلك الشيكات على نحو يحول دون صرفها من البنوك المسحوبة عليها (تزوير)، وهذا الحكم بات ونهائى وواجب النفاذ، لأنه استنفد كل درجات التقاضى.. والبدوى هو الآخر يمارس حياته بشكل طبيعى، ويظهر في العديد من المناسبات دون أن يعترضه أحد من الجهات الأمنية.

الأمن الاجتماعي "عدم تنفيذ الأحكام القضائية، له تداعيات خطيرة على الأمن الاجتماعى، ومن الممكن أن يسهم في زيادة معدلات الجريمة في أي مجتمع"، هذا ما أكده خبير أمني رفض الافصاح عن هُويته.

وأضاف: "عادة ما يلجأ المظلوم أو صاحب الحق إلى القضاء، ليقتص له ممن ظلمه، وتكون لديه قناعة تامة بأن القضاء حتما سينتصر له، وأن خصمه سينال جزاءه العادل وفقا للقانون، ولحظة صدور الحكم لصالحه يشعر بنشوة الانتصار وتزداد ثقته في العدالة إلى أقصى درجة.. لكنه عندما يصطدم بعدم تنفيذ الحكم، وأن من جار عليه وأكل حقوقه ما زال حرا طليقا يستمتع بأمواله، تتولد بداخله حالة من الإحباط الشديد وتنهار ثقته في العدالة، لأن الحكم الذي بين يديه لا يزيد عن كونه ورقة بلا قيمة أو مجرد حبر على ورق".

نرشح لك ..الكلبشات تلاحق السيد البدوى.. و136 قضية في دواوين الأمن والقضاء

المصدر أضاف: "الحكم" يكون بمثابة طوق النجاة الأخير للبعض وبدون تنفيذه فإن حياته كلها تنتهى وتنهار، لذلك فإنه يصاب بالإحباط، ويفقد الثقة في أي شئ.. شخص بهذه المواصفات النفسية، هو مشروع محتمل لمجرم، وربما يتحول إلى سارق أو بلطجى أو تاجر مخدرات، بل وربما تستقطبه جماعات متطرفة وتجنده في صفوفها، مستغلة حالة الإحباط التي يمر بها وسخطه على المجتمع كله، وبالتالى يزداد عدد الخارجين على القانون وتتضاعف الجريمة بمختلف أنواعها".. ولفت المصدر أن هناك خطرا آخر قد يلحق بالمجتمع في حالة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، يتمثل في لجوء البعض إلى محاولة تنفيذ الحكم بأنفسهم بعيدا عن الجهات المختصة، وفى هذه الحالة تكثر المشاجرات والمشاحنات وفى كثير من الأحيان قد تتحول إلى جرائم أكثر عنفا ودموية، وهو ما يصفه البعض بـ"قانون الغابة".   وأشار المصدر إلى أن الحل بسيط وواضح ويتمثل في تطبيق القانون على الجميع، وتنفيذ الأحكام القضائية متى أصبحت باتة ونهائية، والقضاء على ما يسمى بالمجاملات أو "غض النظر" عن بعض المحكوم عليهم خصوصا أصحاب النفوذ ورجال الأعمال.

الجريدة الرسمية