رئيس التحرير
عصام كامل

ألمانيا.. لماذا التردد في اقتحام الفضاء؟

فيتو

بوجه عام، لا تعد عبارة "صنع في ألمانيا" هي القوة الدافعة الوحيدة للشركات الأوروبية الكبرى التي قد تجعلها مستعدة للذهاب إلى الفضاء. تنفق ألمانيا الملايين على صناعات الفضاء لكن منتقدين يقولون إن هذا الإنفاق لا يكفي.في اجتماع عقد مؤخرًا في برلين لشركات تكنولوجيا الفضاء، كان التفاؤل يسود الأجواء. ومع ذلك، ،بينما كان رائد الفضاء ماتياس مورير يخطف الأضواء ويمتع تلاميذ المدارس والكبار على حد سواء بحديثه، كانت هناك قضايا مهمة تطفو على السطح. لم يكن السؤال الأكبر يتعلق باستعمار المريخ، أو إرسال مليونير سائحًا إلى القمر أو حتى البحث عن المعادن هناك. كان السؤال الأكبر هو: لماذا لا تكون ألمانيا أعجوبة التقنية الحديثة على رأس سباق الفضاء؟

إلى جانب الشركات العملاقة اير باص وأو اتش بي OHB في بريمن، هناك الكثير من الشركات الصغيرة والناشئة التي تتطلع إلى النجوم في جميع أنحاء ألمانيا. لكن وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وهي منظمة مكونة من 22 دولة عضو بميزانية إجمالية قدرها 5.72 مليار يورو (6.39 مليار دولار) لعام 2019، تسبق كافة تلك الشركات الخاصة.

بعد فرنسا، تعد الحكومة الألمانية ثاني أكبر مساهم في تمويل الوكالة الفضائية. وبسبب تلك الإسهامات المالية، تمكنت برلين من الحصول على جائزتين: ESA Mission Control في مدينة دارمشتات ومركز تدريب رواد الفضاء في مدينة كولونيا. قد يبدو هذا بمثابة فوز كبير لألمانيا، لكن الجائزتين جاءتا بثمن باهظ. فقد بلغت مساهمة ألمانيا في وكالة الفضاء الأوروبية هذا العام وحده 927 مليون يورو.

داخليًا، تنفق ألمانيا 285 مليون يورو إضافية على البرامج الفضائية. قد يبدو هذا كثيرًا، لكنه مبلغ صغير مقارنة ب 726 مليون يورو. وعمومًا لا تنفق ألمانيا سوى 0.05٪ من الناتج المحلي الإجمالي على مثل هذه البرامج، ما يضع ألمانيا خلف الهند وإيطاليا واليابان والصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة التي تنفق 0.224 ٪ وفقا لمعهد جولدمان ساكس الأوروبي لسياسة الفضاء.

هل فات ألمانيا القطار؟

ولكن أيًا كان المبلغ الذي يتم إنفاقه، فإن الكثيرين ينتقدون كيفية الإنفاق في حد ذاتها. في الوقت الحالي، يذهب نصيب الأسد من الأموال الحكومية إلى اللاعبين الرئيسيين، "إيرباص" و"أو اتش بي" OHB. يعتبر توم زيغيرت، مدير الأعمال والإستراتيجية في "شركة برلين لتقنيات الفضاء"، أحد أولئك الذين يرون أن التغيير قادم. وقال لـ DW: "إننا نواجه لحظة يستيقظ فيها اللاعبون الكبار في ألمانيا، وكذلك اللاعبين الأصغر. الكل يدرك أن شيئًا كبيرًا سيحدث".

يضيف زيغرت: "في ألمانيا لدينا التكنولوجيا، لكن ليس لدينا طلب"، مشيرًا إلى حقيقة أن هذه التكتلات الصناعية تعمل في مشاريع دولية كبيرة وتبني أقمارًا صناعية كبيرة، وهو ما لا تريده المشروعات التجارية الناتجة عن الشركات الأصغر حجمًا. هذه هي الفجوة التي تريد شركة برلين لتقنيات الفضاء أن تسدها.



تأسست الشركة في عام 2010 من قبل ثلاثة أصدقاء، ويعمل بها الآن 29 موظفًا يعملون على تصميم أنظمة الأقمار الصناعية الصغيرة - من أحجام تتراوح بين حجم الميكروويف وصولًا إلى حجم الغسالة - إلى جانب إمداد تلك الأقمار بالتكنولوجيا اللازمة للتشغيل. وقد شاركت "برلين لتقنيات الفضاء" حتى الآن في أكثر من 50 مهمة فضائية.

وقد يستغرق الشركة صنع نموذج أولى بين عام وعامين. لكن الشركة تريد الابتعاد عن الأقمار الصناعية المنفردة إلى التصنيع بكميات كبيرة، ولهذا فقد بدأت الشركة مشروعًا بمشاركة هندية. وبمجرد دخول القمر الصناعي إلى حيز الإنتاج الضخم على نطاق واسع، فقد ينخفض الوقت اللازم للبناء إلى أسبوع أو أسبوعين ما يقلل كثيرًا من التكلفة.

في طليعة التكنولوجيا

بشكل عام، يعتقد زيغرت أنه بالنسبة لمعظم الشركات فإن بناء الأقمار الصناعية يعد مضيعة للموارد وأنه يجب التركيز بدلًا من ذلك على الخدمات والبيانات. ويقول: "إن أكبر الفرص للشركات الأوروبية الناشئة هي في المراحل النهائية لأنهم يحصلون على البيانات مجانًا [من وكالة ناسا أو وكالة الفضاء الأوروبية]. صحيح إنها ليست أفضل البيانات، لكنهم يحصلون عليها مجانًا وهو ما كان يشكل عقبة كبيرة أمام الجميع."

لكن التركيز بشكل أكبر على الخدمات سيؤدي إلى زوال العديد من شركات التصنيع وبقاء الأقوى فقط وهو أمر طبيعي يحدث خلال عملية نضج المجالات الصناعية.

في الوقت نفسه، تدفع جمعيات الصناعة ألمانيا إلى بناء ميناء فضائي أو مركز إطلاق خاص بها. صحيح أنهم لا يتحدثون عن منشآت تكفي لإرسال البشر إلى الفضاء، ولكن وجود مثل تلك المنشآت من شأنه أن يمكّن الشركات من إطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية دون الاعتماد على بلدان أخرى وهي اليوم قليلة العدد للغاية.



قفزة نحو المجهول

ويحذر زيغرت مدير الأعمال والإستراتيجية في "شركة برلين لتقنيات الفضاء" من التسرع في الإقدام على عمل كل شيء والالتزام في البدايات بما يجيدون عمله بالفعل مثل صنع المعدات أو المكونات أو الأقمار الصناعية أو الصواريخ أو تنظيم عمليات الإطلاق أو تقديم الخدمات وليس الاقدام على عمل كل شيء في وقت واحد.

وخلص إلى القول بأن مستقبل قطاع أعمال الفضاء في ألمانيا غير واضح، ويمكن له أن يسير في طريقتين: الأول سيكون نموذج العمل المعتاد الذي تنفق فيه الحكومة مبالغ متزايدة من المال لإبقاء الشركات الوطنية الكبرى على قيد الحياة وهو ما لن ينتج عنه أي تقدم حقيقي.

أما النموذج الثاني، فهو أن ترى الحكومة ودافعو الضرائب والشركات أن الأمور لم تكن تتم بالطريقة الأكثر فعالية، لذا ستخرج الحكومة من صناعة الأقمار الصناعية وتتحول إلى مستهلك للخدمات. هذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض في معدلات تصنيع الأقمار الصناعية والتكاليف. بعدها سيكون التركيز على البيانات، وهو منجم ذهب القرن الحادي والعشرين.

ويوفر الفضاء إمكانيات غير محدودة تقريبًا وهناك مساحة كبيرة للنمو فيه. واليوم وبعد مرور 50 عامًا على الهبوط الأول على القمر، سيكون الاختبار الحقيقي هو معرفة ما إذا كانت الحكومات ستنشئ إطارًا قانونيًا لحوكمة الفضاء ثم تتنحى جانبًا وتترك السوق يتولى زمام الأمور وتعطي المستهلكين ما يريدون. ويمكن لألمانيا بصفتها "داعما ماليا كبيرًا" أن تعطي دفعة للنموذجين.

ع.ح./ع. أ.ج

هذا المحتوى من موقع دويتش فيلا اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية