رئيس التحرير
عصام كامل

جهلاء الفن أخذونا إلى الحضيض


انتظرت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حتى اللحظة الأخيرة كي تعلن اختيارها الفيلم الوثائقي "احكيلي" للمخرجة والمنتجة "ماريان خوري" لتمثيل مصر في المسابقة الرسمية، ما يعني أنها لم تجد فيلما روائيا طويلا جديرا بالمشاركة في مسابقة المهرجان الدولي، وحفظا لماء الوجه لجأت إلى وثائقي لا يخلو من بعض الدراما يتناول سيرة الأجيال المتتابعة في عائلة المخرج الراحل الكبير "يوسف شاهين" وارتباطها بالسينما ومنهم "ماريان خوري" صاحبة "احكيلي".


العثور على فيلم مصري يشارك في مسابقة المهرجان، بات مشكلة تتكرر كل عام، وبشق الأنفس تدبر الإدارة عملا يمثل مصر، بالمقابل غابت السينما المصرية العريقة كصناعة، عن غالبية المهرجانات الدولية وغير الدولية، في حين أن دولا عربية أخرى ليس لديها صناعة سينما من الأساس أو بدأت الإنتاج السينمائي في السنوات الأخيرة، وصلت بأفلامها ذات الطرح البسيط والعميق لقضايا مجتمعية حقيقية إلى مسابقات أكبر وأهم مهرجانات السينما في العالم.

"ستموت في العشرين" أول فيلم روائي للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء، والسابع في تاريخ السودان السينمائي، ورغم ذلك توج قبل أسابيع بجائزة "أسد المستقبل" من "البندقية السينمائي" أعرق مهرجانات العالم، وتوج بعدها بـ "النجمة الذهبية" لأفضل فيلم في مهرجان "الجونة السينمائي"، ونال جائزتين مطلع الأسبوع من "أيام قرطاج السينمائية" في تونس.

وبما أننا تحدثنا عن مهرجان تونس، يجب التوقف عند أنه خلى من الأفلام المصرية، وتوج فيه الفيلم التونسي "نورا تحلم" بجائزة "التانيت الذهبي" كأفضل فيلم، وهو العمل الروائي الأول أيضا للمخرجة التونسية "هند بوجمعة"، إضافة إلى جائزة أفضل ممثلة لبطلته "هند صبري"، وكانت هذه الأخيرة نالت عن دورها نفسه جائزة أفضل ممثلة من "الجونة السينمائي"، غير أنها حين نالت جائزة التمثيل في بلدها تونس مطلع الأسبوع غردت: "احساس لا يوصف.. تتويج "نورا تحلم" بالتانيت الذهبي وتتويجي أحسن ممثلة للمرة الثانية في 25 سنة من مهرجان بلادي وأعرق مهرجان في أفريقيا.. أيام قرطاج السينمائية".

هذه الممثلة التونسية اعتبرت مهرجان بلدها "الأعرق في أفريقيا"، رغم أنه لا يحمل الصفة "الدولية" حتى إن كان "الأقدم"، كما أن نوعية الأفلام والضيوف في "أيام قرطاج" تكشف قيمته وتأثيره، قياسا بعراقة وتأثير "القاهرة السينمائي الدولي" و"الجونة السينمائي"، الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، وكذلك بريق وأهمية "مراكش السينمائي" المغربي، الذي يجمع نخبة نجوم السينما في العالم.

في أول موقف مالت كفة "هند صبري" تجاه بلدها، ونسيت أن شهرتها ونجوميتها تحققت في مصر، وليس في بلدها، ولولا الأعمال المصرية، ما عرفت منصات التتويج ولا المهرجانات الدولية!!

الآن بات لزاما على وزارة الثقافة الالتفات إلى الوضع المؤسف، الذي آلت إليه السينما، وأن تتبنى مواهب مصرية يهمها جودة وتميز "الفن السابع"، تدعم أعمالهم شرط أن تناقش قضايا محلية حقيقية بعيدا عن التقليد ومحاكاة الغير، حتى تجد طريقها إلى مسابقات المهرجانات العالمية ونعوض سنوات الفشل الذريع، وما خسرناه بسبب فن تجاري رخيص وفنانين أبسط ما يقال عنهم "جهلاء"، جعلوا الفن في الحضيض، وكل همهم جمع الملايين، وفي الوقت نفسه يجب تطهير الساحة من النصابين والمتاجرين بالفن، والمسيئين إلى البلد أيا كانت أسمائهم أو شهرتهم، لأن كل ما يصدر عنهم ينعكس على المصريين بشكل عام.

أستغرب الصمت حتى الآن على تصرفات "محمد رمضان"، الذي أفسد جيلا كاملا بفن رخيص عن البلطجة والعشوائيات، ثم أغنيات لا نعرف من أجازها، وحفلات عارية مسيئة، لتعويض عقد نقص يعاني منها، لكن ما ذنب الجمهور وأين الرقابة مما يقدم، واستعراضه "على الطالع والنازل"، حتى تسبب في سحب رخصة طيار مدني مدى الحياة.. نعم الطيار يستحق العقاب لسماحه بهذه المهزلة.. لكن أين عقاب "رمضان" ومن يوقفه عند حده؟!

بلطجة "رمضان" امتدت إلى "حمو بيكا"، الذي يعترف أن صوته لا يصلح للغناء، ولما رسب في اختبار النقابة اقتحمها وهدد الموجودين، وتطاول على نقيب الموسيقيين الفنان "هاني شاكر"، داعيا الجمهور لمحو النقابة من على الأرض، وبعد صدور أمر ضبطه واحضاره، أصبح ينتقل بين البرامج يعتذر عن الإساءة والتهديد بأنها "لحظة غضب"، وأن جمهوره بالملايين، رغم اعترافه بسوء صوته!.

لم تجد "شيرين" عقوبة رادعة لتطاولها على بلدها، فتمادت نتيجة نقص المعرفة والعلم، لكن الجمهور أوقفها عند حدها، وأجبرها على الابتعاد عن "السوشيال ميديا"، حين تفاعلت مع حرائق لبنان طالبة إحياء حفل متبرعة لصالح الضحايا، على أن يرعاه "دولة رئيس الوزراء سعد الحريري".. لم نعرف مطلقا أن "شيرين" شاركت في حفل خيري في مصر، أو تبرعت بأجرها لصالح ضحايا أي مصيبة حدثت في السنوات الماضية، كما أنها لم تتحدث أبدا باحترام عن أي مسئول مصري مثلما خاطبت في تغريدتها "سعد الحريري".

لكن اندفاعها في كل ما يخص لبنان ارتد عليها، وهاجمها الجمهور من جميع الجنسيات العربية، وأجبرها على إغلاق حساباتها.

نموذج صارخ للإفساد والتشويه الفني، تجسد في مخرج بدأ بشكل جيد، لكنه انحرف في أفلامه التالية إلى الإباحية والابتذال، ثم انضم إلى النشطاء حتى تكشفت فضائحه في فيديوهات جنسية مسربة، أما الجديد فكان بلاغ ضده للنائب العام، من أحد أكبر رجال الأعمال الإماراتيين، يتهمه بالنصب والاحتيال عليه، لإعادة إحياء صناعة السينما المصرية، لكنه استولى منه على ملايين الدولارات قبل فضيحته الأخيرة، ولم يفعل شيئا للسينما المصرية.
الأمل الآن في وزارة الثقافة لانتشال الفن المصري من الجهلاء والمسيئين واعادته إلى جادة الصواب.
الجريدة الرسمية