رئيس التحرير
عصام كامل

الفنان التشكيلى عز الدين نجيب: عبد الناصر استخدم المثقفين لتغيير المجتمع.. و"السادات" كان يكرههم

فيتو


  • - شعراوى جمعة قال لى: "إحنا واثقين إنك وطنى ومؤمن بعبد الناصر ولكن ضللت الطريق
  • - هذه ذكريات أكثر من خمسين عامًا مع رؤساء مصر
  • - حاولت مع 3 وزراء ثقافة من أجل مشروع الحرف التقليدية فلم أجد سوى الفكر التقليدى
  • - الدولة حاليا غير مقتنعة بدور الثقافة
  • - النخبة التشكيلية تحولت إلى أصحاب مهن لا أصحاب رسالة
  • عبد الناصر اعتمد على اليسار بعد إخراجهم من السجون في قيادة الرأى العام
  • -لا توجد صحافة ثقافية متخصصة.. و"القاهرة" لا يقرؤها إلا من يكتبون بها
  • -حقبة "الستينيات" شهدت نهضة فنية وثقافية نفتقدها في السنوات الأخيرة
  • - دور يحيى حقى في الثقافة عظيم ولم يأخذ حقه
  • - منصور حسن كان مستنيرا جدا ومؤمنا باستقلالية الثقافة


أجرى الحوار: محمد نوار
تصوير: وئام مصطفى

هو فارس معاصر من الزمن القديم، علامة فارقة في مسيرة الإبداع المصرى وأحد العمالقة المؤسسين، تجول في أنحاء مصر، كما لم يتجول أحد، لم يترك فيها بيئة لها ملامح الأصالة والتراث إلا ورسمها في لوحاته ذات النزعة الواقعية الرمزية، إنه الفنان التشكيلى والناقد السياسي الكبير "عز الدين نجيب"، صاحب الخبرات المتراكمة، والتاريخ الناصع، والمواقف المشرفة، هو من كتب يومًا: "لا بد أن يكون لك مشروع مرتبط بوطنك، اجعل العام خاصا، واجعل الخاص عاما، واجعل الأمل يتجاوز الذات.. انتبه، الذين يسافرون ويعودون بالمال، مهما كان المال فإنهم مثل الصفائح الفارغة، الانتماء بحلم بلدك هو المفتاح السحرى في الحياة"، وهى الكلمات التي شكلت دستورًا لم يحد عنه ضيفنا الكريم، الذي يتحدث لـ"فيتو"، كما لم يتحدث من قبل، كاشفًا عن جانب كبير، من حياته العملية والفنية الثرية، لا سيما تجربته الفريدة في "كفر الشيخ" التي استهل بها مسيرته الفنية اللامعة.. "عز الدين نجيب" هو المثقف الموسوعى والمناضل، والرسام والمصور البارع، والناقد والباحث التشكيلى الذي يوصف بأهم ناقد تشكيلى في العالم العربى، وهو المؤسس والرائد للعديد من الجمعيات الفنية وأحد مؤسسى نقابة الفنانين التشكيليين قبل 42 عامًا، وإلى نص ما دار من حوار:

= شهدت فترة الستينات - باعتبارك كنت شاهدًا عليها ومعاصرا لها- نهضة فنية ثقافية، برأيك لماذا؟
- بالفعل كانت هناك نهضة مشهودة في السينما، والمسرح، والفنون التشكيلية، وبالنسبة للفنون التشكيلية تحديدًا، فقد كانت تقام في المناطق والأماكن الشعبية، وليس كما يحدث الآن، كما كانت مرتبطة بقضايا وطنية خالصة، أما الآن فالمعارض والفنانون التشكيليون يعيشون في أبراج عاجية، وهم معزولون عن معركة الحياة.

- لو بقينا في فترة الستينيات، فأنا أعلم أنك تعتز كثيرًا في حواراتك ونقاشاتك بتجربتك الفنية في "كفر الشيخ"، وكنت يومئذ في عنفوان الشباب، لماذا؟
-تجربة "كفر الشيخ"، فارقة في حياتى، حيث وضعت كل خبراتى ورؤيتى وقناعاتى فيها، بهدف إقامة مشروع ثقافى، وكان ذلك في فترة الستينيات، الواقع هناك كان بائسًا، ولم يكن يحتمل، فلم أجد سوى شقة بلا موظفين، المدينة كانت غير جاذبة، لم يكن هناك مكان جاهز لاستقبال المثقفين سوى المقاهى، فعدت للقاهرة للقاء سعد كامل المدير العام بوزارة الثقافة الذي أزعجه فشلى في البداية، وعدم تحقيق ما وعدته به، فشعرت بالخجل، ولأول مرة أضبط نفسى متلبسا بالتقصير، فقررت التحدى، عرفت أن طريقى هو المقهى، وتعرفت على شباب الموظفين، واكتشفت مجموعة سبق أن كونت فرقة مسرحية، وكان الحلم لا يزال يراودهم، كان الفنان محمد توفيق المشرف عليهم، ولكن الفرقة تفرقت، فعرضت عليهم إعادة التجربة وكانوا ينوون تقديم "ليالى الحصاد" للكاتب محمود دياب، ومعهم المخرج حسين جمعة، فرحبوا، وبدأ الحلم يتحقق، البروفات كانت في بيوت الممثلين، ولكن لا بد من مقر وموظفين، ذهبت إلى المحافظ، من حسن الحظ كان جمال حماد عضو مجلس قيادة الثورة -المؤرخ الكبير فيما بعد- وتصادف وجود المدير الذي كان يسبقنى، وأخذنى ليقدمنى للمحافظ، وشعرت بقشعريرة في جسدى عندما رأيت هذا المدير يقبل يد المحافظ أمامى، وتسمرت في مكانى، إلا أن اللواء جمال حماد تقدم خطوة قائلا: أهلا يا ابنى تعالى! تقدمت بطلباتى ووافق عليها، عشرة موظفين وسيارة ننتقل بها في القرى، ومقر. قال: أنت عايز قصر ثقافة كامل؟ قلت: وزارة الثقافة ليس لها سوى أنا، وكل المردود سيحسب للمحافظة.

- وما تفاصيل ما حدث بعد ذلك؟
- بدأ العمل في كل الاتجاهات، ونجحنا، وجاء يحيى حقى وأنيس منصور وعبد الرحمن الأبنودى ومحمد زكى عبد القادر وسيد حجاب وخالد محيى الدين، وأصبح الحوار مفتوحا وبحرية بين الناس وهؤلاء، وأصبحنا على خطى تحقيق الحلم، ولكن هذا لم يَرُق للسيد حافظ بدوى الذي كان يتولى منصب رئيس الدعوة والفكر في المحافظة، خاصة أن قصر الثقافة جذب قطاعات كبيرة من الشباب ممن لديهم رؤية تقدمية، ووجودهم في مكان حكومى أعطاهم الأمان في المشاركة بإيجابية، تم نقل اللواء جمال حماد وجاء بدلا منه إبراهيم بغدادى رجل المخابرات السابق وعدو اليسار، فوجهت نشاطى خارج القصر في القرى والعِزَب، وهذا كان ثورة الالتحام بالناس الذين وجدونا معهم وبينهم، لم يتخيلوا يوما أن يقدم لهم مسرحية أو فيلم أو ينظم لهم لقاء مع الأبنودى وسيد حجاب وعبد الرحيم منصور، حدث حراك حقيقى بين الناس من أجل الناس، الكبار كانوا يأتون بنصف اهتمام، أما الشباب فكانوا متحمسين.

- وهل بقيت الأمور على حالها أم تغيرت مع نكسة 67؟
- بعد هزيمة 67، كانت مصر كلها في مأتم والإحساس بالمرارة واليأس بين الناس، أذكر أننا كنا سنقدم فيلما في أمسية، فوقف فلاح عجوز صارخا: فيلم إيه يا أفندى وسينما إيه هو أنتم لا شيء وراكم؟ إحنا بنعيش المر بنتقتل كل يوم، بنتسرق، اتكلم عن الجمعية التعاونية والإقطاعيين، والقتل كل يوم، زيف الحكومة والاشتراكية، أنا عارف إنى ممكن اتقتل وأنا مروح، وإيه الفرق بين الحياة والموت.. ما هي موتة وخلاص؟! ثم تحدث ثانى وثالث ورابع، كسروا حاجز الصمت، واعتبرت أن هذا هو انتقال الثقافة من الطبقة الوسطى والأفندية إلى الفلاحين البسطاء، كل قرية نذهب إليها نعطى أبناءها مائة كتاب، وفى الزيارة التالية نأخذها ونعطيهم كتبا أخرى، هذا خلق جماعات أطلق عليها "أصدقاء القصر".

-وكيف كان وقع هذا على السلطة؟
-بدأ المحافظ يستدعينى، ثم استدعانى السيد شعراوى جمعة وزير الداخلية ثلاث مرات، مرتان وحدى، والثالثة كانت مع اليساريين أحمد حمروش والدكتور على المليجى، وأذكر هنا كلمة شعراوى جمعة لى: "إحنا واثقين إنك وطنى ومؤمن بعبد الناصر ولكن ضللت الطريق"!

- وماذا حدث؟
-لا شيء، فقد فشلت كل محاولات إثنائى عن أسلوبى وعملى بين الناس، والمدهش أن عبد الناصر رفض اقتراحا بإغلاق قصر ثقافة كفر الشيخ أو نقلى قبل استفتاء 30 مارس، فقرر إبراهيم بغدادى إنهاء ندب الموظفين وسحبهم بمن فيهم الساعى، وكذلك السيارة التي أمر بها المحافظ السابق، من سوء حظ التجربة هو نقل اللواء جمال حماد وترك سعد كامل قصور الثقافة وتخلى عنى وزير الثقافة، كان صراع بين السلطة والمثقف، وقدمت استقالتى.

-وكيف كانت طبيعة علاقة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بالثقافة والمثقفين؟
= عبد الناصر كان يعتمد على الثقافة كأهم أدوات تغيير المجتمع، اعتمد على اليسار بعد إخراجهم من السجون في قيادة الرأى العام، وما إن تم دورهم بعد استفتاء 30 مارس 68 الذي اعتبره تفويضا بالتخلص من مراكز القوى، كان التوجيه إلى وزير الثقافة ثروت عكاشة بالتخلص منهم، وهو ما حدث فعلا، باستثناء سعد كامل الذي رفض الاستقالة، فتم نقله إلى دار الكتب، وكان يتولى إدارتها محمود الشنيطى، وعندما ذهب سعد كامل لاستلام عمله قال له الشنيطى: "عمل إيه؟ ما حدث مجرد اختلاف في وجهات النظر استمتع بإجازة أسبوعين"، وعندما عاد بعد أسبوعين وجد نفسه مفصولا لتغيبه عن العمل، سعد كامل كان مخلصا ومحبًا لعمله لأقصى درجة، وأذكر يوما أنه قال لوزير الثقافة: "بحب شغلى حتى لو هشتغل كناس في قصور الثقافة"!

- وما طبيعة العلاقة التي كانت تربط عبد الناصر ووزير الثقافة الأسبق "ثروت عكاشة"؟
= علاقة عبد الناصر وثروت عكاشة كانت معقدة وملتبسة، ولكن للتاريخ فإن الثقافة الجماهيرية فكرة عبد الناصر، وكان الهدف منها بناء وعى الجماهير، والمؤسس لها سعد كامل باعتراف عكاشة نفسه، في الخمسينيات استعان عبد الناصر بفتحى رضوان الذي وضع بذور الثقافة وأحياء الفنون الشعبية فاستعان بيحيى حقى وزكريا الحجاوى، وأعتقد أن دور يحيى حقى في الثقافة عظيم ولم يأخذ حقه.

- في هذا الفترة تركت "الثقافة الجماهيرية"، فماذا كانت وجهتك بعدها؟
بعد تركى للثقافة الجماهيرية عملت في "المسافر خانة" للتفرغ للفن، وبعد سنوات من النشاط أصبحت مركزا للإشعاع ومقرا للندوات وتجم الفنانين واليسار من مصر كل الدول العربية، فكان لابد من وقف هذا الحصان الجامح، ومن سوء الحظ كان السادات قد اختار عبد الحميد حمدى رئيسا للهيئة العامة للفنون والآداب لسبب وحيد، وهو أنه أحد الذين اختبأ عندهم أثناء هروبه في الأربعينيات، فاستدعانى إلى مكتبه، وقال لى: لا بد من تهدئة الأمور في المسافر خانة، وطلب منى العودة للبيت والحصول على إجازة، لم أقتنع بكلامه، فقررت الذهاب إلى المسافرخانة، لأفاجأ بتحطيم مرسمى بالشوم، ومنعى من الدخول، فهرعت إلى قسم الجمالية وتحمس المأمور وأرسل شاويشا لتحرير محضر وعندما وصلنا وجدت سيد درويش الذراع الطولى لعبد الحميد حمدى يقف على الباب ومعه قرار قديم من أسبوع بنقلى إلى التنظيم، وقرار بنفس التاريخ القديم بأنه مدير المسافرخانة، وتحت تهديد سيد درويش للشاويش تراجع عن تحرير المحضر وانسحب خاصة عندما قال له: هذا الأمر أكبر منك ده موضوع وزير الداخلية!

=وماذا حدث بعد ذلك؟
- فُصلت ثلاث سنوات، وتم القبض علىًّ، وسُجنت ستة أشهر بتهمة تأسيس جمعية "كتاب الغد" لمواجهة تكوين تنظيم اليسار الجديد "التروتسكى الشيوعى" وتروتسكى كان المعارض في مواجهة "لينين"، أي أن تنظيمنا أكثر تطرفا من فكر لينين، كان معى الشاعر زين العابدين فؤاد، د. كامل القليوبى، محمد درويش، محمود إبراهيم وغيرهم، الذي كتب التقرير ضدنا، وكان وزير الثقافة وقتها يوسف السباعى، مؤكدا على مقولة السادات: "الأفندية الرزلة"!

- كانت لك رحلة معروفة داخل السجون، فكم عدد المرات التي سُجنت فيها ولماذا؟
- دخلت السجن ثلاث مرات، 1971 كعضو لجنة للتضامن مع المعتقلين في نقابة الصحفيين ومعنا فريدة النقاش، كنا خمسة عشر، الطريف أنه عندما تم القبض على فوجئت بأننى الوحيد الذي قبض عليه، وتزاملت في الحبس مع الشاعر زين العابدين فؤاد، والمهندس أحمد بهاء شعبان، وكثيرين، وبعد شهرين أطلقوا سراحى، الثانية كانت بسبب تقرير يوسف السباعى، الثالثة في التسعينيات اثنين وعشرين يوما بتهمة توزيع منشورات، ولم يكن لى يد في مشكلة الفلاحين الذي هجموا على الأقسام، والأمر كان خاصا بحمدين صباحى الذي كون لجنة للدفاع عن الفلاحين، وتم القبض على حمدين ونال علقة ساخنة، ومن حسن حظه أنه استطاع إرسال قصته إلى الصحفى إبراهيم عيسى في إصدار الدستور الأول الذي نشر ما حدث له ومع اهتمام وكالات الأنباء العالمية، تم الإفراج عنه، وكان لا بد من متهم فاختارونى لتوجه لى التهم، إلا أن الضغط الإعلامي من مثقفيين كبار وإعلاميين، جعلهم يفرجون عنى بعد 22 يوما، وكان يمكن أن أسجن للمرة الرابعة في 2009، عندما فوجئت بحكم بحبس سنة مع الشغل والنفاذ، بتهمة تبديد الآثار في وكالة الغورى وتحديدا مقر جمعية أصالة، اتصلت بالوزير فاروق حسنى، وقلت له: لن أدخل السجن مرة أخرى خاصة أنها قضية ليست سياسية ولم أخجل في يوم من الأيام من السجن في قضايا سياسية، ولكن هذه المرة قضية مخلة بالشرف! فرد فاروق حسنى: أنت بتكلمنى وأنا مسافر من أجل اليونسكو وحقائبى في العربية أعمل إيه؟! قلت: لا تفاجأ وأنت في مؤتمر فاروق حسنى المرشح للدفاع عن التراث الإنسانى فإنه في نفس الوقت يزج بى في السجن لأننى سأعقد مؤتمرا عالميا في وكالة الغورى، وأعلن هذا، وفى اليوم التالى أرسل مدير مكتبه والمحامى وتم إنهاء المشكلة!

- كيف كان حال الثقافة في فترة السبعينيات مقارنة بما قبلها وما بعدها؟
- في السبعينات كان هناك عداء شديد بين السلطة والثقافة، وأستطيع القول إن الثقافة كانت مغيبة وليست غائبة، في الثمانينات والتسعينيات كانت غائبة؛ لأن المثقفين فقدوا عزيمتهم، السادات كان يكره المثقفيين الحقيقيين، لأنهم في المعارضة، ويسميهم "الأفندية"، وكشف عن ذلك في سبتمبر81 وألقى بهم في السجن، وللتاريخ فإنه حاول وفشل في جذب المثقفين، وخير مثال عبد الرحمن الابنودى اجتمع معه مرتين في استراحة القناطر وبالرغم من مرونة الأبنودى إلا أنه فشل في استمالته!

= ومن يتحمل هذا، الوزير المختص أم أحد غيره؟
- الوزير المؤهل صاحب الرؤية كان منصور حسن، كان مستنيرا جدا ومؤمن بدور الدولة، واستقلالية الثقافة، وإلغاء الدور التعبوى، وإلغاء دور توجيه المثقفيين لخدمة السلطة، أنشأ المجلس الأعلى للثقافة كهيئة مستقلة، كان يملك طموحات وأحلاما واعدة ولكنه لم يبق طويلا وزيرًا للثقافة والإعلام، حيث ظل في هذا المنصب بين عامى 1979 – 1981.

= وفى عهد الوزير الأسبق فاروق حسنى؟
- في عهد فاروق حسنى، كانت الثقافة تسير بقوة االقصور الذاتى، ومن معالمها الاحتفاليات والمهرجات المحلية والدولية وجعلت الأنظار تتجه إلى مصر باعتبارها بلدا سياحيا، ولكن لم يكن فيها زخم ثقافي في القاعدة ويشكر لفاروق حسنى أنه سلط الأضواء على ترميم الآثار وإقامة المتاحف، ولكن هل وصلت الثقافة للجماهير؟ هل شاركت الجماهير في الثقافة؟ هل شارك المثقفون؟ للأسف المجلس الأعلى للثقافة كان وعاء لاحتواء المثقفين الذي سماهم فاروق حسنى "الحظيرة"، ينفسون عن أنفسهم، تكتب التقارير، تلقى في الأدراج، بالرغم أنها كتبت بإخلاص بلا شك فيه من أصحابها.

= وكيف تقيم نظرة السلطة للثقافة والمثقفين في السنوات الأخيرة؟
- أرى أن الدولة غير مقتنعة بدور الثقافة، بالرغم من إعلان الرئيس السيسي أنه يرتكز على ثلاث قواعد للبناء والتنمية هي: التعليم، الصحة، الثقافة، ولكن الثقافة يبدو أنها سقطت سهوا، والدليل أن أحدًا لم يحقق شيئًا إيجابيا للثقافة في السنوات الأخيرة؟

= وبم تبرر هذا التقصير؟
- بأحد أمرين، أو كليهما، فربما لم تكن الفرصة متاحة، وربما لضعف الإمكانات، وكلا الأمرين يؤدي إلى الواقع المر الذي تعيشه الثقافة حاليا.

= مشروع "الحرف التقليدية"، كان واحدا من أحلامك، أين توقف ولماذا؟
- حاولت مع ثلاثة من الوزراء هم: عماد أبو غازى، شاكر عبد الحميد، وجابر عصفور، من أجل مشروع الحرف التقليدية، فلم أجد سوى الفكر التقليدى، والأخير يتحمل القسط الوافر من عدم استكمال المشروع إلى نهايته.

= ما رأيك في النخبة التشكيلية الحالية؟
- النخبة التشكيلية تحولت إلى أصحاب مهن، وليسوا أصحاب رسالة، المعارض تقتصر على الزمالك والأوبرا، ولا يحضر سوى الأصحاب والأصدقاء، وهذا كان يسعد الفنان ولكن يعزله عن المجتمع، ويصبح قائدا بلا جيش، أو فارسا بلا ميدان، أو فرسانا بلا ميدان، الميدان هو المجتمع، علاقتنا مقطوعة بالمجتمع، عندنا قاعات للنخبة وغياب البحث عن الهوية منذ بدأ عصر الانفتاح.

- وبالنسبة للنقد الفنى؟
= النقد كان موجودا في السبعينيات، أما الآن فهو غائب تماما، أزعم أنى ناقد ولكن لا أجد منبرا لنشر تقييمى للمعارض، ما فائدة أن أكون ناقدا وليس لدىَّ منبر أنشر فيه، جريدة القاهرة فقدت قراءها إلا من عائلات وأصدقاء الكتاب، وهم لا يهمهم سوى نشر مقالاتهم، ولا أنكر أنها كان لها دور ولكن ليس الدور المفترض للثقافة.

= إذا كان هذا رأيك في جريدة "القاهرة" كمنبر ثقافى، فما رأيك في الصحافة الثقافية المتخصصة؟
- لا توجد صحافة ثقافية متخصصة، حتى مجلة "الخيال" أهملوها في قصور الثقافة ثم نقلوها لقطاع الفنون وأغلقوها، هل مصر لا تتحمل مطبوعة متخصصة تصدر خمسة آلاف نسخة؟! لم يعد توجد منابر للرأى، لأن صناعة الناقد غائبة، بجانب الموهبة وأيضا تدريبه وصناعته بوضعه في احتكاك إبداعى مع الناس، مع الفنانين، التعرف على الاتجاهات الحديثة، تبعث الأفراد للخارج، ومعايشة الاتجاهات الجديدة، حتى الآن نكتب ما بعد الحداثة وكأنه مقرر، لو أنك عايشته في موقعه ستجد أن ما بعد الحداثة مجرد اتجاه من اتجاهات كثيرة، كان الوزير ثروت عكاشة كان يرسل نقادا وفنانين للمتابعة والاطلاع على الجديد بأى معارض دولية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية