رئيس التحرير
عصام كامل

"الممر" وبعث الوطنية في نفوس ملت الانحطاط


شاهدت فيلم "الممر" عند عرضه تليفزيونيًّا من إخراج وتأليف شريف عرفة، وإنتاج هشام عبد الخالق، ومن بطولة أحمد عز، وإياد نصار، وأحمد فلوكس، وأحمد رزق، ومحمد فراج، وأحمد صلاح حسني. وعلمت أن الفيلم حقق دخلا ضخما منذ عرضه في موسم عيد الفطر 2019، وهو في المركز الرابع في قائمة أعلى الأفلام دخلا في السينما المصرية.


وبعد المشاهدة تيقنت من أسباب نجاح هذا العمل وتميزه، وأسعدتني بشدة هذه الأسباب، فالفيلم يتناول قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وعلى رأسهم أحد القادة البواسل الذي يُدعي نور (أحمد عز)، ويناقش المرحلة الزمنية بدءًا من حرب 1967 وحتى الأوقات الأولى من حرب الاستنزاف.

وهذه الفترة ظلمت إعلاميا وفنيا وفي أذهان كثير من المصريين، حيث كانت فترة بسالة منقطعة النظير، وقادها الزعيم "جمال عبد الناصر" بقلب الجندي الذي ذاق مرارة الهزيمة فصار لا يعيش سوى لتحقيق النصر، وأثبتت تلك الفترة معدن الجندي المصري الأصيل الذي لم تكسره هزيمة سريعة وتجعله يدخل جحيم الإحباط، لكنها قوت من عزيمته على الثأر والانتقام من العدو الغادر المخادع.

فكانت فكرة العمل في منتهى العبقرية والإبداع لتناولها تلك الفترة من عمر الوطن، ولتقدم للأجيال القادمة والشباب الحالي صورة عما فعله آباؤهم من مجد وفخار في أحلك الظروف وأشد الأزمات، فلم تعكس الهزيمة سوى الإصرار والتحدي في نفوس أبطال القوات المسلحة، ولا أدل على ذلك من تلك العملية التي قام بها أسطورة الصاعقة المصرية "إبراهيم الرفاعي" وقائد مجموعة الأشباح كما كان يلقبها الإسرائيليون أو مجموعة 39 قتال، تلك المجموعة التي تكونت فور هزيمة «يونيو١٩٦٧» ومحاولة استعادة التوازن وتنظيم صفوف الجيش المصري..

حيث تلقى البطل "إبراهيم الرفاعى"، تكليفًا من اللواء "محمد صادق"، مدير المخابرات الحربية، في ذاك الوقت، وبموافقة الفريق "محمد فوزي"، وزير الحربية، بتكوين مجموعة قتالية، للقيام بمهام وعمليات خاصة وفدائية، في صفوف العدو الصهيوني.

فالمجموعة تكونت بعد الهزيمة مباشرة مما يدل على الإصرار على النصر وتكبيد العدو خسائر لا قبل له بها، وبالفعل قامت المجموعة بمهام إعجازية، وكان من أهم هذه المهام مهمة في ليلة 19/ 4/ 1969 وهي ليلة الأربعين من استشهاد الفريق "عبد المنعم رياض"، حيث طلب الزعيم "جمال عبد الناصر" القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده..

فعبر "الرفاعي" القناة واحتل برجاله موقع لسان التمساح أمام المعدية رقم 6 الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سببًا في استشهاد الفريق "رياض"، وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا إسرائيليا، حتى أن إسرائيل من هول هذه العملية وضخامتها تقدمت باحتجاج إلى مجلس الأمن.

فهذه الفترة على ما بها من ثقل الهزيمة ومرارة النكسة كان بها انفراج وتباشير بأمل جديد تحقق في السادس من أكتوبر 1973 بفضل صلابة الجيش المصري والرئيس البطل الشهيد "محمد أنور السادات". وتأتي أهمية فيلم "الممر" في تسليطه الضوء على تلك الفترة وما بها من بطولات، وما تثيره في نفوس الشباب من حمية نفتقدها بشدة ووطنية نطمح إليها ونتطلع إلى اتقادها.

وجاء تميز العمل لاعتماده على بطولات وقصص حقيقية حدثت بالفعل، ومنها تلك البطولة التي قام بها رجال الجيش المصري وأعاد الفيلم تجسيدها بمهارة وحرفية عالية، فمثلا مشهد السنترال بالفيلم وما حدث به من مشادة بين الضابط وموظف السنترال قد حدث بالفعل، حيث كشف اللواء "محيي نوح" قائد المجموعة ٣٩ بحرب أكتوبر حقيقة ذلك المشهد قائلا:

"عندما كان في رأس العش بعد حرب ٦٧ مباشرة وذهب إلى محافظة الدقهلية لكي يذهب لأي سنترال ليطمئن على أصدقائه في محافظة بورسعيد، وقصدت مدير السنترال حتى أتمكن من إجراء المكالمة الهاتفية للاطمئنان على أصدقائي، فقال له ألفاظا جارحة على الرئيس جمال عبد الناصر وعلى شخصه، فقام نوح بضربه هو وثلاثة أفراد آخرين، وقام بالاتصال بأحد أصدقائه بالأمن الوطني وأبلغه بما تم، وبالفعل تم إبلاغ الجهات المسئولة بالدولة وتم تجسيد هذا المشهد في بداية فيلم الممر".

ونستطيع أن نؤكد أن تقديم فيلم حربي لا يعني أن نشاهد معارك وتفجيرات وقتلا وانتقاما فقط، فرغم أن هذه المشاهد تم تقديمها على مدار الفيلم بشكل جيد، فإن الأقوى منها في إيصال صعوبة الحرب وقسوتها على كل الأطراف، تقديم نفسيات الشخصيات التي عاشت هذه الحرب، حتى لو لم تكن شخصيات عسكرية مثل شخصية "المصور الصحفي" المصاحب للعملية الذي قدمها "أحمد رزق"، الذي شكل ثنائي كوميدي مع الجندي "إسماعيل عامر" الذي قدمه الفنان "محمود حافظ".

أداء الفنان "إياد نصار"، ضابط الجيش الإسرائيلي كان رائعا، قدم الدور بشكل غير تقليدي، وشاهدنا شخصية الإسرائيلي بشكل مختلف عن الشكل النمطي الذي تتمسك به الأعمال الفنية العربية كلها، ودخل في مباراة تمثيلية قوية مع "أحمد عز" قادها "شريف عرفة" بحرفية عالية. كما تفوق الفنان "أحمد فلوكس" في تقديم شخصية الأسير المصري الذي يدخل في جدل مع الجندي الإسرائيلي "إياد نصار"، والذي لم يفقد إيمانه بمعركته وقوته وقناعاته، وثقته في النصر واستعادة الأرض، رغم موقفه الذي لا يحسد عليه.

وأرى أن من أسباب نجاح العمل وإقبال الشعب المصري بكافة طوائفه وأعماره عليه وطنية هذا الشعب المصري الأصيل، التي وإن أخفتها أحيانا الهموم ومشاغل الحياة، وأعباء المعيشة، لكنها ما تلبث أن تظهر في أي وقت تُستدعى فيه، فكان هذا العمل من وسائل استدعاء هذه الوطنية الصلبة المتغلغلة في الضمير والوجدان المصري..

الأمر الذي يجعلنا مطمئنين تماما على ذلك الوطن، ولا نقلق أو نسير مع موجة أن الشباب يفتقد الوطنية، والحقيقة أن الشباب يفتقد النموذج والمثال والفيلم المحفز لوطنيته، بدليل أنه عندما وجد ذلك ظهرت وطنيته بصورة مميزة مع الفيلم.

كما أجد أن من الأسباب التي جعلت الفيلم يلقى ذلك النجاح هو ما تمر به مصر من ظروف محاربة الإرهاب، والتي تغتال في كل يوم شهيدا من شهدائنا بالجيش أو الشرطة؛ مما جعل المصري يشعر بمدى حبه لوطنه، ورغبته عن التعبير عن ذلك الحب ولو في عمل يرسخ للوطنية الحقة.
الجريدة الرسمية