رئيس التحرير
عصام كامل

رسائل التوانسة "المبهرة"


التونسيون صوتوا ضد الفقر.. هذه هي الرسالة التي أرسلها الناخبون التونسيون في ثالث استحقاق انتخابى رئاسى بعد ثورة الحرية والكرامة في ديسمبر 2010، لدولة تبلغ نسبة الفقر بها 15 بالمائة من السكان بينهم 3 بالمائة فقرا مدقعا.


ما استوقفنى في نتائج تلك الانتخابات ليس كثافة عدد المتنافسين من كل ألوان الطيف السياسي -26 مرشحا-، وإنما هو إجراء جولة الإعادة بين مرشحين أحدهما سجين يقبع خلف الأسوار، والثانى أعزل ورفض تمويل الدولة لحملته الانتخابية، والاثنان مستقلان لا ينتميان لأي حزب سياسي، وهو ما يعني أن الناخب التونسي وصل إلى مرحلة الوعي عبر 9 سنوات من قيام الثورة، بحيث أصبح قادرا على الفرز بين تجار السياسة والدين، وبين النبلاء الشرفاء الذين لايعرفون الشعارات الكاذبة.

الأول، "نبيل القروي" المرشح المسجون بتهمة التحايل الضريبى وغسيل أموال - 56 عاما- يلقبه التونسيون بـ"صوت المهمشين والفقراء"، وغاب عن المناظرات التليفزيونية للمرشحين ولم يتسنى له عمل دعاية انتخابية وتم تجميد ممتلكاته وأصوله ومنعه من السفر خارج تونس.

والثانى، الأكاديمى "قيس سعيد" -61 عاما– الذي خاض الانتخابات مجبرا ومدعوما من شباب متطوع، وكان غير مدعوم من أي حزب لأنه يرى أن عهد الأحزاب "أفلس وولى"، وأن السلطة ستكون بيد الشعب الذي يقرر مصيره ويسطر خياراته.

وخلال المرات القليلة التي ظهر فيها على التليفزيون التونسي الرسمي تحدث عن استرداد الأموال من الفاسدين ووضعها في حساب الجهات المحرومة، ودعا إلى الاهتمام بالأخلاق في الحياة السياسية والاقتراع على الأشخاص مما جعل له جاذبية لافتة لدى كثير من الناس.

الأهم أن تلك الانتخابات أسقطت أسماء لامعة وكبيرة في عالم السياسة وعلى رأسهم "عبد الفتاح مورو" رئيس البرلمان بالنيابة وأحد مؤسسي حركة "النهضة" بنهاية الستينيات، برفقة رئيسها الحالي "راشد الغنوشي"، وأسقطت "عبد الكريم الزبيدي" ( 69 عامًا) وزير الدفاع الذي كان قد تولى مناصب وزارية قبل الثورة وبعدها وكان محل ثقة الرئيس الراحل "الباجي قايد السبسي" والبعض كان يرى فيه الوريث الشرعي له.

وسقط "يوسف الشاهد" الذي كلفه "السبسي" برئاسة الحكومة، باعتباره من قيادات الحزب الفائز بانتخابات 2014، ومؤسس حزب "تحيا تونس"، في الربيع الماضي وحوله إلى حزب رجال الأعمال، وبرزت في حملته معالم القوة والثراء من خلال تنقله بمواكب سيارات رباعية الدفع في مناطق فقيرة يعاني فيها الناس الفقر والتهميش مما بعث برسائل سلبية، ورفع المحتجون في وجه موكبه شعار "ارحل" معتبرين أن سياسته دمرت التعليم والصحة والاقتصاد.

وسقط أيضا الرئيس السابق "المنصف المرزوقي"، والمرشح المستقل "الصافي سعيد"، ورئيس الحكومة الأسبق "المهدي جمعة"، ورئيس الحزب الدستوري الحر "عبير موسى"، و"محمد عبو" الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي.

الخلاصة أن التوانسة تعاطفوا مع من شعروا بتعرضه للظلم، ومنحو أصواتهم لرجل التعفف والاستقامة، وللسجين خلف الأسوار حتى لو يمارسا أي نوع من الدعاية ولم يقدما أي برامج.
وفى النهاية هي تجربة ديمقراطية رائعة -بصرف النظر عن الفائز فيها- تدعو كل مواطن تونسى وعربى للفخر بها أمام العالم.
الجريدة الرسمية