رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أحمد بهاء الدين يكتب: سور الحريم

أحمد بهاء الدين
أحمد بهاء الدين

في مجلة روزا اليوسف عام 1976 كتب الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين مقالا قال فيه: نجحت جمعية دينية في محافظة البحيرة في وضع حد للمضايقات التي كانت تتعرض لها المرأة العاملة في طريقها إلى مقر عملها ذهابا وإيابا.


كان القطار الذي ينقل الموظفات والعاملات إلى الإسكندرية يزخر بما يحدث بجميع وسائل المواصلات في مصر، بمجموعة من الشبان غير المهذبين الذين يتبارون في إيذاء مشاعر وأجساد الراكبات.

وكان من الطبيعى أن تقام جمعية لمواجهة الموقف، وفكر أهل الفتيات في طلب حملة من شرطة الآداب تعاقب هؤلاء، وفكر البعض في حملة تربوية ترتفع بوعى الشباب تسمو بخلقه وتعيد تربيته بناء على تعاليم الدين، وأقيمت جمعية أهلية لذلك.. لكن اختارت الجمعية مع الاسف الشديد أن تطلب من هيئة السكك الحديدية أن تخصص عربة في قطار البحيرة ـــــ الإسكندرية للنساء فقط.

وبهذا الاختيار حلت الجمعية المشكلة.. لكنها في نفس الوقت اعترفت بأن رسالتها الدينية عاجزة عن تربية الشباب في محيط عملها، وأن أقصى ما فعلته هو أن تقيم حول الضحايا سورا عازلا وتترك الانحدار الخلقى كما هو في حاله، ويادار ما دخلك شر.

لكن المدهش أنه ما كادت تجربة البحيرة تنجح حتى بدأت تتعالى الأصوات بتعميمها في طول البلاد وعرضها، وكأن الحل الوحيد أمام الفساد وسوء الخلق هو الانسحاب وراء اسوار تحمى الضحايا من عدوانه.

تقول هذه الأصوات: إن ما تزخر به بلادنا من هيئات دينية ورجال دين عاجزون عمليا عن تربية شبابنا، عاجزون عن مجرد إقناعهم باحترام عرائض أهاليهم بالرغم من كل ما تدفق على هذه الهيئات من مال وما يباح لها من مساحات في الصحف والإذاعة والتليفزيون.

ونتمنى أن يصبح يوما توقير المرأة عادة، واحترامها سلوكا يوميا، لا أن نضطر بعد ثلاثين عاما من إلغاء عربات الحريم في الترام إلى المطالبة بتخصيص اتوبيسات بأكملها لزوجاتنا وبناتنا وامهاتنا واخواتنا..أي إلى إعلان الاستسلام أمام سوء الخلق واللجوء إلى اسوار نحتمى ورائها منه.

لست أدرى ماذا يحدث لو أخذنا بمنطق الاستسلام هذا والهروب وراء الأسوار؟ إن الجامعة فيها قلة من الشباب غير المهذب، وبمنطق الاستسلام يجب أن نقيم جامعات للبنات فقط، وفى السينما تعليقات تجرح المشاعر فلا مفر من دور سينما للحريم فقط، وفى الجمعيات الاستهلاكية يختلط الحابل بالنابل غير المحترم، ولا حل إلا بتخصيص جمعيات استهلاكية للنساء فقط، وفى مصاعد العمارات تحتك نساء مهذبات برجال غير مهذبين.. ولا حل إلا بتخصيص مصعد للحريم وآخر للرجال.

Advertisements
الجريدة الرسمية