رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة سقوط الفلاح من حسابات الحكومة.. الهجرة للدول العربية في أواخر القرن الماضي بداية ترك الأرض.. غياب الإرشاد الزراعي أزمة كل عام.. ذبابة الفاكهة تدمر المحصول.. وكليات الزراعة تستعيد بريقها مؤخرًا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عيد الفلاح هو مناسبة بدأ الاحتفال بها يوم 9 سبتمبر 1952، بالتزامن مع إصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحديد الملكية الزراعية لإنهاء عصر الإقطاع وبارونات الريف في مصر، وتطبيق سياسة توزيع الأراضي الزراعية على فقراء المزارعين المصريين.


واستمر الاحتفال بالفلاح كل عام بالتوازي مع زيادة اهتمام الدولة بالزراعة، والريادة في إنتاج محاصيل مميزة كالقطن الذي يعتبر أهم محصول تصديري مصري خلال قرنين، وقصب السكر الذي قامت عليه صناعات ضخمة بعد تشييد مصنع سكر نجع حمادي، ومع بدايات الانفجار السكاني مطلع الثمانينيات وعقود العمل في الدول العربية، هجر الفلاح الأرض، بعد أن توقف تطوير الزراعة، وأصبح ضغط التعداد السكاني الكبير يأكل في الأرض الزراعية لإيجاد مساحات للعيش دون تدخل الدولة لمنع ذلك، ويمكن أن يعبر وضع القطن المصري بشكل مثالي عما وصل إليه حال الفلاح الآن.

القطن
دلالات تراجع القطن، وإهمال وزارة الزراعة الجهة المسئولة عن تنمية زراعة القطن، واستنباط أفضل الأصناف، وضمان تحقيق أفضل إنتاجية تجلى في عدم افتتاح وزير الزراعة لأول مرة موسم جني القطن، والذي يبدأ في المعتاد بمحافظتي الفيوم وبني سويف في صيف كل عام، وذهبت المسئولية إلى وزارة قطاع الأعمال العام، من خلال الشركة القابضة للغزل والنسيج، التي كثيرا ما انسحبت من اتفاقات تسلم القطن من المزارعين، واعتمدت هي وشركاتها على الأقطان المستوردة منخفضة السعر والجودة على حساب القطن المحلي.

وعلى مدار 6 عقود ماضية ظهر المهندس الزراعي في السينما والدراما والمنتجات الثقافية المختلفة رجلا ذا مكانة في الريف له تأثيره الواضح وبصمة حافظت على الإنتاج الزراعي لسنوات طويلة، قبل أن تقضي البيروقراطية بإعدام تلك المهنة بوقف التعيينات فيها، وخفض ميزانية قطاع الإرشاد الزراعي من 40 مليون جنيه سنويا حتى نهاية حقبة الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق عام 2005 لتتراجع إلى 200 ألف جنيه فقط عام 2018، والعمل بقوام 1500 مهندس فقط لخدمة 6 آلاف قرية.

أزمة مهندسين
ومن المنتظر خروج 1300 مهندس منهم على المعاش بحلول عام 2022، وبالتالي سيسجل غياب الإرشاد الزراعي رقما قياسيا لأول مرة في تاريخ وزارة الزراعة، ويزيد اعتماد الفلاحين على البحث عن المعلومات في مجال المبيدات وتجارة الأسمدة بدلا من الجهات العلمية الرسمية.

ورغم تسجيل الصادرات الزراعية المصرية رقما مهما في مدخلات العملة الصعبة بلغت 2.2 مليار دولار عن موسم 2018 وفق بيانات المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إلى جانب السيطرة على سوق البرتقال في العالم، واحتلال المركز الأول في صادراته خلال الموسمين الأخيرين بكميات وصلت إلى 1.5 مليون طن، متفوقين على إسبانيا الرائدة في هذا السوق لسنوات، فإن الحكومة بشكل عام ووزارة الزراعة بشكل خاصة تركت ذبابة الفاكهة تنتشر وتخلف وراءها خسائر ضخمة للمزارعين، وللثروة الزراعية المصرية بشكل عام، حيث تصيب الذبابة 12 نوعا من الفواكه في أكثر من مليون ونصف المليون فدان، تنتج الفاكهة في مصر جميعها من المحاصيل التصديرية.

وتبلغ خسائر مصر من ذبابة الفاكهة 30% من الإنتاج البالغ 11 مليون طن، وفقا لمذكرة أعدتها الإدارة المركزية لمكافحة الآفات الزراعية للعرض على وزير الزراعة الدكتور عز الدين أبو ستيت العام الماضي.

من ناحية ثانية.. ورغم أنها من أقدم الكليات، إلا أن كليات الزراعة تلعب دور الغائب الحاضر في خدمة المزارعين والعلمية الزراعية بشكل عام، حتى أنها كانت حتى قوت قريب طاردة للطلاب، وتراجعت حتى المرحلة الثالثة في تنسيق الجامعات.. فما السبب في ذلك، وكيف يتم استنهاضها لتلعب دورا إيجابيا ومؤثرا؟

إقبال الطلاب
الدكتور أحمد جلال، عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس، قال لـ"فيتو": إنه أصبح هناك اتجاه حكومي يصب حول المشروعات القومية العملاقة والاتجاه الزراعي، والتي تتمثل في الصوب الزراعية، واستصلاح الأراضي لذلك نجد الآن إقبالا كبيرا من قبل الطلاب على الالتحاق بكليات الزراعة على مستوى الجمهورية، فأدى ذلك إلى ارتفاع الحد الأدنى للقبول بالكليات عن السنوات الماضية، مؤكدًا أنه يتم استحداث برامج جديدة بكليات الزراعة لجذب الطلاب، ومواكبة لسوق العمل المحلي والخارجي.

وأشار عميد كلية الزراعة إلى أن الكلية تعمل في إنتاج المشاريع والأبحاث العلمية التي تساعد المزارع وتساعد في النهوض بالحالة الزراعية في مصر، موضحًا أنه تم إنشاء المعمل الدولي لتوفير مياه الري داخل أروقة الكلية، وهو الأول من نوعه في مصر، ويعمل على توفير المياه المستخدمة في الزراعة بأقل الإمكانيات وبطرق تكنولوجية حديثة، وذلك بالتعاون مع معهد البيئية جامعة نينجيشيا الصينية، ونعمل على نقل تلك الخبرات للمزارع المصري، وأكد أن التطور في الأساليب الحديثة التي تسعى الكليات لاستخدامها سينعكس بالإيجاب على الحالة الزراعية في مصر بشكل جيد إذا تم الاستفادة من تلك الخبرات بالشكل الأمثل سوف تتغير مصر للأحسن في الزراعة، وسيحدث طفرة.

تغيير الثقافة
فيما قالت الدكتورة إيمان العرجاوى، وكيل كلية الزراعة جامعة دمنهور: إن كليات الزراعة في الآونة الأخيرة شهدت إقبالا من قبل الطلاب بشكل كبير، وذلك نتيجة لتغير ثقافة ونظرة المجتمع لتلك الكليات واهتمام الدولة بها بعد توجهها نحو المشروعات العملاقة مما أدي إلى انعكاس ذلك حول ارتفاع مجموع تلك الكليات والتي تخطت هذا العام لـ90%، مؤكدة أنه سوف تكون كليات الزراعة من الكليات المتصدرة خلال الفترات القادمة.

وأوضحت "العرجاوى"، أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت كثيرًا في عملية الإنتاج الزراعي وساهمت في عدم إرهاق المهندس الزراعي، وأصبح العائد لخريجي الزراعة مرتفعًا، وذلك بعدما كان خريج الزراعة منذ سنوات يعمل فقط كمدرس زراعي بالمدارس نظير أجر زهيد، مما أدي لإحجام وعزوف الطلاب عن الالتحاق بكليات الزراعة، وأشارت إلى أن الكلية تعمل على مواكبة سوق العمل، وذلك من خلال ربط الجانب العملي بالجانب النظري، وممارسة الطلاب للجانب العملي على أرض الواقع، وبشكل أكبر وذلك من خلال مزرعة الكلية، موضحة أنه لم تكن تتوافر الإمكانيات والموارد الكافية لذلك، ولكن الكلية تغلبت على ذلك من خلال مواردها الذاتية، وبالتعاون مع الشركات المجتمعية لمساعدة الطلاب على التدريب.

وأكدت أن خريج كليات الزراعة بالأقاليم والمحافظات أكثر حظا من مثيله بكليات القاهرة؛ وذلك للطبيعة المحيطة به التي تساعده على تطبيق ما يدرسه على أرض الواقع، مشيرة إلى أن الكلية بها 8 معامل مجهزة بأحدث الأجهزة باجتهاد من أعضاء هيئة التدريس والموارد الذاتية ومن الصناديق الخاصة للكلية.

وعن استفادة المزارع من خريج كلية الزراعة قالت "العرجاوي": إن الكلية تعمل على مساعدة الفلاح من خلال تنظيم القوافل الزراعية المتنقلة والعيادات المتنقلة، والتي تضم نخبة من أعضاء هيئة التدريس والطلبة بالنزول على أرض الواقع، حيث تعمل تلك القوافل على تشخيص الأمراض وتوزيع عينات مجانية من الأدوية والمبيدات، بجانب الندوات الإرشادية التي تنظمها أيضًا الكلية للمزارعين حول الطرق الحديثة التي من المفترض اتباعها بالزراعة والإجراءات الوقائية من بعض الأمراض التي تساعد المزارع في الحصول على أعلى محصول وتوجيه النصائح والإرشادات، وكذلك تنظيم ندوات داخل أروقة الكلية حول برامج التغذية الصحيحة للماشية، والإجراءات السليمة التي يجب اتباعها قبل الزراعة وأثناء الزراعة التي تجعله يتجنب الإصابة من الأمراض المختلفة وتحقيق محصول جيد.

وأكدت أن أبواب الكلية مفتوحة أمام الفلاحين بالمحافظة دائما لاستقبال استفساراتهم ومشاكلهم التي من شأنها مساعدة الفلاح لإنتاج محصول جيد، وتقديم الحلول لهم دائما، وتوعيته في الاستخدام الآمن.
الجريدة الرسمية