رجاء النقاش يكتب: محفوظ بين العلم والمعرفة

في كتابه (أصداء السيرة الذاتية ) الذي وضعه الكاتب رجاء النقاش (رحل 2008 ) عن أديب نوبل نجيب محفوظ قال فيه:

على رأس القيم العالمية والإنسانية التي يدعو إليها أديبنا نجيب محفوظ في أدبه.. قيمة العلم والمعرفة.

فقد انتبه نجيب محفوظ منذ وقت مبكر إلى أن العلم والمعرفة يمثلان عنصرا أساسيا فعالا في حياة الإنسان الحديث.

لقد كانت العصور الوسطى عصورا ساكنة تتطور فيها الحياة ببطء، وبالتالى كانت الأوضاع الاجتماعية والإنسانية ثابتة لا تتغير إلا بطيئا.. لكن العصور الحديثة غيرت الأمر تغييرا جوهريا، فأصبحت حياة الإنسان تتبدل يوما بعد يوم وخاصة في القرن العشرين وكانت أداة التغيير هي العلم والمعرفة.

وكانت هناك في الفكر الإنسانى نظريتان حول دور العلم في الحياة الحديثة، النظرة الأولى هي نظرة متشائمة ترى أن العلم تسبب في شقاء الإنسانية وتعاسته، وان التقدم قضى على استقرار الناس وهدوء حياتهم.

أما النظرة الثانية فهى نظرة متفائلة ترى أن العلم هو صانع البشرية في العصور الحديثة، وأن التقدم هو صانع السعادة في حياة الإنسان.

ونجيب محفوظ أقرب إلى النظرة الثانية فهو يرى أن العلم لا يدخل حياة الناس باختيارهم فقط، بل هو قوة تفرض نفسها على الحياة..رضى الناس بذلك أو لم يرضوا، فلا يملك أحد أن يقيم مجتمع بسيط أو بدائى يتمتع بالاستقرار بعيدا عن سلطان العلم..ومن هنا كان من الضرورى الاعتراف بقوة العلم ودوره في حياة الإنسان الحديث.

وإيمان نجيب محفوظ بالعلم يتمثل في أعمال كثيرة من أعماله، ويكفى أن نشير إلى روايته (أولاد حارتنا) ففى المرحلة الأخيرة تظهر شخصية "عرفة" الذي يرمز إلى العلم، وآمن به الناس ووجدوا فيه خلاصا لهم من الظلم والظلام.

كما أن هذا المعنى الذي يعبر عن الإيمان بالعلم منتشر في أعمال أخرى عند نجيب محفوظ، فقد كان كمال عبد الجواد بطل الثلاثية يدافع عن "داروين " ويحاول إثبات نظريته.

إن إيمان محفوظ بالعلم يعتبر أحد الملامح الرئيسية في التوجه العالمى لشخصيته الادبية، ويتصل بفكرة الايمان بالعلم عنده اتصالا وثيقا فكرة أخرى هي أن التطور ضرورة ولا مفر منه، وتتضح ضرورة التطور بقوة في الثلاثية حيث المجتمع القديم والجيل القديم ينهاران ليحل محلهما مجتمع جديد وجيل جديد وأفكار جديدة.

ولمحفوظ في روايته "الحرافيش" عبارة يقول فيها: لو كان لشيء أن يبقى على حال فلم تتغير الفصول؟ وهى عبارة تكشف عن إيمان عميق بأن التغيير حتمى والتطور أمر لا مهرب منه.

هناك قيمة أخرى في أدب محفوظ هي الحرية، فهى عنده قيمة عليا، وأن الشوق والحنين لها هما شعور كامن في الإنسان ولا يكتمل معنى الإنسانية إلا به.

ويتناول أدب محفوظ مشكلة الحرية في جوانبها المختلفة فهناك الحرية السياسية التي تهدف التخلص من الاستعمار وتتجسد الفكرة في فهمى عبد الجواد بطل الثلاثية عام 1944.

وفى رواية (كفاح طيبة) تصوير لحركة تحرير مصر من الهكسوس وظهرت الرواية عام 1944 أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، ويمتد معنى الحرية السياسية إلى الديمقراطية وحرية التعبير.