رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد حسين هيكل يكتب: الحرية الإنسانية

فيتو

في مجلة "الهلال" عام 1936 كتب الأديب السياسي محمد حسين هيكل( ولد في مثل هذا اليوم 20 أغسطس 1918ـــــــ رحل 1956 ) مقالا قال فيه:

دقق الكتاب والفلاسفة في تحديد تعريف الحرية، فقد ذكر هربرت سبنسر أن الذي يسير في الطريق ويشتم رائحة بنزين سيارة يجرى بها غيره يفقد من حريته بمقدار ما يدخل خياشيمه من هذا البنزين.


وكان من الأمور المتفق عليها قانونا أن للمالك من حرية التصرف في ملكه ما يبيح له أن يفسده أو يعدمه.

ونظرية الحرية في العقود السالفة من النظريات التي لم تكن تعرف حدا من الحدود.. ولما كانت قوانين التملك مقدسة إلى ما قبل الحرب العالمية فقد ظل تعريف الحرية مقدسا هو الآخر في نفوس الناس.

إن تعريف الحرية كحق الفرد في التصرف المطلق بدأ ينكمش بعد الحرب، وتغيرت نظرة الناس للحياة الفردية والحياة الاجتماعية، والسبب انهيار المبادئ التي كانت مقررة للتملك وتوزيع الثروة، والتي كان معمولا بها في أنحاء العالم كله على أنها المبادئ المتفقة مع سنة الطبيعة والكفيلة بتحقيق أكبر حظ مستطاع من النعمة للإنسان، مما جعل الناس يفكرون في مقاييس جديدة للحياة تنظم شئون الفرد والجماعة.

ويخيل إلى أن الحرية الإنسانية في أحسن صورة لها تنحصر في أن يكون الكلام أداة الناس إلى التفاهم والنضال، وإلى تقدير ما يعتقدونه الخير للفرد والجماعة، وفى إذعان المغلوب بسلطان الكلام بعد أن تلزمه الحجة كإذعان المغلوب بالقوة المادية والحيوانية.

والإنسانية اليوم في مرحلة من مراحل حياتها، غلبت فيها الحيواني، وأصبحت قوة الذراع والمدمرات الكلمة الأخيرة فقامت الثورات الأهلية والحروب بالرغم من وجود عصبة الأمم التي أنشئت من أجل السلام.

كل هذا كان نذيرا بأن الإنسانية لا تزال بعيدة عن أن تحتكم إلى العقل، وإلى حجة ومنطق، وما تزال حيوانيتها أشد غلبة عليها من إنسانيتها، لذلك كانت حريتها حيوانية، وكان حديثها عن الحرية حديثا حيوانيا، وكانت المعانى الإنسانية للحرية ماتزال ألفاظا يتخذها أصحابها ستارا لأغراضهم الحيوانية.

أصبحت الحرية عندهم أن يأكل أحدهم ما يشاء ويشرب ما يشاء ويتملك قدر ما يشاء..أما الحرية الفكرية وحرية العقيدة فهي كلام في كلام، أما الرأي والعقيدة عندهم فيجب أن يتصلا بمصلحة أو إنسان أو سلطان.

وأقول إذا أردت أن تكون حرا في هذا العالم الإنسانى فكن إذن قويا، ولتكن حجتك الكلامية حاضرة، وأعود وأقول إن الحرية الحقيقية الصحيحة هي الحرية الإنسانية التي تجعل من الكلام أداة للتعامل الإنساني.. فإذا وصلت الإنسانية إلى هذا الإدراك لمعنى الحرية.. كان للحرية مكانها هنا.
Advertisements
الجريدة الرسمية