رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يوسف إدريس يكتب: جوع العقول

فيتو

في كتابه (خلو البال) وضع الأديب المصرى الدكتور يوسف إدريس مقالا تحت عنوان (جوع العقول) يقول فيه:

لم أكن أتصور أن حديثا عابرا في الصفحة الثقافية بالأهرام يثير كل هذه الضجة التي لا معنى لها بالمرة.. إذ هي ضجة لا تمت إلى صلب الموضوع الذي طرقته.


الموضوع الأساسى كان حياتنا الثقافية طلها..وهى ضجة أيقظت في الطبيب القديم وجعلتنى احاول تشخيص هذه الحالة.. هل هي صحية أم مرضية؟ فإذا كانت صحية فما هو وجه الصحة، وإذا كانت مرضية فما هو المرض الحقيقى.

وجد أولا أنها صحية وان طاقة العدوان لا تزال موجودة لدى معظم الفنانين والكتاب، وهى عند الحيوان تتمثل في التخريب ن وعند الإنسان الطاقة الزائدة.

ويقاس حجم الفنان وموهبته بمقدار وقوة الطاقة العدوانية الزائدة عنده.. لكن ماهى المشكلة إذا؟

المشكلة في الجانب المرضى من الحالة وهو أن هذه الطاقات الخلاقة لا يمكن أن تعمل إلا في ظل مناخ يخلق المسارات الطبيعية الصحية فتدفق هذه الطاقة وتتحول إلى عواطف وأعمال بناءة.

ولأن هذا المناخ مفتقد والطاقات الزائدة تغلى وتريد الخروج والانطلاق..فنحن في حالة جوع ثقافى عظيم يكاد يصل إلى مرحلة المجاعة الثقافية.

وقد يهز البعض رأسه ويقول وهل ملأنا بطوننا حتى تجوع عقولنا؟ وأقول لهم إننا لن نملأ بطوننا حتى تمتلئ عقولنا، فالمخ الفارغ لا يشبع أبدا بطنا خاوية.

كانت ثقافتنا بين الحربين تسير في تؤدة. ورغم ذلك كانت تسبق حظا مجتمعنا بمراحل، ثم جاءت فترة ما بعد الحرب وبدأت جماهيرنا تغلى وتنادى بالثورة والجلاء وبدأت ثقافتنا تغلى هي الأخرى.

وجاءت الثورة وتوقعنا مزيدا من الانفتاح الثقافى والفكرى.. وفعلا حدث هذا..لكن الثقافة روحها شفافة كروح الفراشة من السهل عليك بإصبعين أن تزهق روح الفراشة أي الثقافة.

حدثت صدامات بين الثورة والمثقفين ونوقشت حتى في جريدة الأهرام.. لكن بقيت الفجوة كائنة وقائمة بين مفهوم الدولة عن الفكر والفن والثقافة ن وبين مفهوم المثقفين والفنانين والكتاب.. كل يحلم بجمهوريته.. وحينذاك لا بد أن يقع الخلاف وتمثل الحركة الثقافية الجانب الأضعف، وفى النهاية ترضخ وتتحول طاقتها إلى الداخل تنهش الفنان وتقتله في أحيان كما حدث لشهيد حركتنا الثقافية نجيب سرور، وكما سيحدث لآخرين ربما أكون منهم.
Advertisements
الجريدة الرسمية