رئيس التحرير
عصام كامل

أنيس منصور يكتب بعض الخواطر من رحلة الحج

أنيس منصور
أنيس منصور

في كتابه بعنوان "طلع البدر علينا"، وفى فصل كامل، يصف الكاتب الكبير أنيس منصور شعوره عند أول حجة أداها في بيت الله الحرام، قال فيه: "إنى أحاول أن أصفَ شعورى وقد تهيأتُ للحج، وأحرمتُ وتعريتُ وتجردتُ وأحسستُ ببرودة النهار والليل، وخفت من كل أمراض الدنيا، وأعددتُ لها كل ما اخترعه الطبُّ الحديثُ وعلمُ النفس القديم.

لقد ابتعدت جسميًّا ونفسيًّا عن التذويب لكل ما حولى، وعلى الأصح التذويب لكلى أنا، وما حولى كله.. إلى آخر المفردات التي يستخدمها من يذهب إلى بيت الله الحرام.

إن الدين يطلب من كل مؤمن أن يطيع، وأن يكون معًا، وأن يتجه إلى الله، وكل شيء يراه أو حوله ليس إلا رمزًا إلى معنى، وهذا المعنى نبه إليه الرسول الكريم من أجل أن يتحقق الخير العام لكل الناس من كل لون وسن وأرض.

لكن يجب ألا يكون هناك لون أو ثوب وأن لا يكون هناك شيء يميز أحدًا عن أحد، فالناس أمام الله سواء.. إن ملايين الناس قد زاحموا وتدافعوا أمواجًا يدوس بعضهم البعض ـــ وأحيانًا يقضى بعضهم على بعض ـــ حتى أصبح ما يشغل الناسَ هو كيف يقفون ليروا.

إنى لا أدعى أنى أمضيت الأيام كلها أتأمل في خلق الله، في نفسى أو في غيرى، إن كل الناس حولى يصرخون يلهثون، وهم جميعًا مفردات طائشة ملتاعة في كتاب مفتوح.

إن زحام الناس على رجم الشيطان شيء عجيب، إن الشيطان ليس أمامنا فقط، إنه ليس هناك، إنه في نفوسنا، وليست الأحجار إلا رمزًا، إن الذي رأيناه في نهاية الحج يستحق أن نطرده بعد ذلك.. بشرط أن نرجم أنفسنا، فكلنا لبعض شيطان، أو كلنا هذا الشيطان.

وفى المدينة أحسستُ بشيء أقوى مما أحسستُ في الكعبة، ففى مسجد الرسول حيث دُفن الرسول وأبو يكر وعمر.. هؤلاء أعرفهم وأنحنى للعظمة والعبقرية والإيمان والتضحية والبساطة.
الجريدة الرسمية