رئيس التحرير
عصام كامل

«شُفنا الموت بعينينا».. نزلاء معهد الأورام يروون كواليس ساعات الرعب في محيط النار

حادث معهد الأورام
حادث معهد الأورام

ليلة صعبة، عاشها المرضى وذووهم داخل معهد الأورام أمس، بعد الانفجار الضخم الذي هز أرجاء مبنى المعهد العريق على كورنيش النيل بالسيدة زينب، نتيجة اصطدام سيارة تسير عكس الاتجاه بمجموعة سيارات أخرى نتج عنه انفجارات، تسببت في أضرار وتلفيات في واجهة المعهد وطرقاته.


في الغرفة رقم 4 بالطابق الثاني من المعهد، كانت حنان تجلس يسار سرير والدة زوجها السيدة "سميرة" بعد أن اطمأنت أنها نامت بفعل المسكنات ودواء ضغط الدم وتوقف أنينها الصادر عن محيط الجهاز الهضمي المصاب بالورم الخبيث منذ نحو ستة أشهر.



صوت انفجار ضخم كسر حاجز الصمت المسيطر على المشهد، ثوان قليلة ويسقط الغلاف الخارجي لجهاز التكييف وسط صراخ لم تفهم سببه: "لقيت الشبابيك بتقع والتكييف بيتكسر قدامي، اتصدمت بصيت للحاجة وهي نايمة ومبقتش عارفة أعمل إيه واروح بيها فين وإحنا لوحدنا كدة في نص الليل".



منتصف ليل أمس، أعلنت وزارة الصحة عن وفاة 17 مواطنا وإصابة 30 آخرين في حادث الحريق الذي اندلع في محيط معهد الأورام نتيجة تصادم سيارتين، بعد أن تلقت غرفة الحماية المدنية بالقاهرة بلاغا من شرطة النجدة يفيد بنشوب حريق أمام معهد الأورام بالسيدة زينب، وتم الدفع بسيارات إطفاء.

المشهد ــ كما ترويه حنان ــ كان أشبه بيوم القيامة، فسرعان ما دوت صفارات الإنذار في أرجاء الطابق الثاني حيث تنزل حنان رفقة المريضة الستينية سميرة: "جريت حافية في الدور وبلبس البيت أنا منتقبة ملحقتش حتى ألبس النقاب".

سارعت حنان إلى حماتها، جسدها ثقيل ما زال النوم يؤثر على حركتها البطيئة بالأساس، أمسكت بحقيبة اليد المعلقة بمقبض السرير، علها تنجح في إنقاذ المبلغ المالي الذي أحضرتاه من منزلهما بإحدى قرى البدرشين بالجيزة: "معرفتش أخذ غير شنطة اليد ونزلت حافية من غير حتى ما ألبس الجزمة بتاعتي، كان كل همي الست المريضة وإزاي أخرجها أول شيء جه في بالي إنه اللي حصل ده بسبب أنبوبة أكسجين قلت حاجة بسيطة وهتعدي".

تخرج سميرة عن صمتها بينما يبدو الإعياء على ملامح وجهها بسبب تأخر موعد جرعة الأنسولين عن موعدها بنحو ساعتين: "زوجة ابني شالتني بين إيديها وجرينا، الدور كان مطبق على بعضه من الناس كأنه يوم الحشر كله بيخبط في كله، والناس بتقع على الأرض كنت حاسة إن المبنى خلاص هيتهد بينا".


كل أدوية ومتعلقات سميرة حبيسة الغرفة رقم أربعة، أدوية الضغط والسكري ومسكنات آلام المعدة ما زالت في موقعها خلف باب الغرفة، تحول دون حصولها عليها شرائط حمراء تطوق المبنى المهشم بشكل شبه تام، الجملة ذاتها تلقي على كل من يريد أن يمر من باب المعهد الرئيسي "أنا عايزة الأدوية بتاعتي بس ولبسي وأنا هروح بيتي خلاص مش هقعد بس يجيبوها، كل ما أروح يقولولي ساعة وادخلي وأنا من الساعة ١٢ لحد اللحظة دي مستنية الساعة تخلص".


أما سامية الفلاح، فلم يكن الأمر باليسير عليها خاصة وأنها نزيلة بالمعهد وزائرة شبه دائمة منذ عام ٢٠٠٧ حينما أصيبت بسرطان الثدي ثم الرحم وأخيرا الكبد: "أنا من الفيوم وباجي من وقت للتاني أخذ الجرعة في المعهد وأحيانا بنزل دار الضيافة، امبارح كنت أول مرة أشعر بالوحدة في حياتي أنا غير متزوجة وماليش إخوات، ماليش غير ربنا، كنت بناجيه امبارح ينقذني مش عايزة أموت لوحدي وبالطريقة دي، أنا منتظرة المرض اللي فيا يموتني وراضية به".


الست أم محمد ابنة محافظة الأقصر، جلست في الجهة المقابلة لمبنى معهد الأورام، واضعة ابنها صاحب الـ 4 سنوات بين يديها تقيه حرارة الشمس التي لم تكن أخف وطأة من رائحتي الرماد والموت المسيطرتين على المشهد: "محمد كان موعد حقنته امبارح هو عنده سرطان الدم من سنة وكام شهر، باجي كل فترة علشان ياخد الجرعة، أنا وأبوه جينا امبارح ومعرفناش ندخل وصلنا القاهرة متأخر، حمدت ربنا إني وصلت متأخر، كان هنا عربيات إسعاف ونار في كل مكان، قلت هفضل مكاني لحد ما الدنيا تهدى لأنه ابني لازم ياخد الجرعة في ميعاده، لكن هما كل شوية يقولوا لنا استنوا ساعة، أو لفوا من الباب اللي ورا".
الجريدة الرسمية