رئيس التحرير
عصام كامل

إمام مسجد بقنا: تعلمتُ الخياطة اقتداءً بالرسول.. والبداية بمدارس الراهبات

فيتو

في قرية الترامسة شرق نهر النيل، التابعة لمدينة قنا، وفي منزل صغير لا يتعدى الأربعة أركان، يجلس رجل مرتديا جلبابه الصعيدي، ويضع على رأسه العمامة، وأمامه نول خشبي، وبجواره كرات من قطع القماش المقطع إلى أجزاء، وعلبة تحتوي على لفافات خشبية وبلاستيكية لوضع الخيوط والمنسوجات المقطعة بشكل طولي، وإلي جواره الزير والبلاص ولمبة الجاز، وكنبات خشبية يعلوها علم مصر.


في هذا المنزل البسيط يقيم الشيخ أشرف مدني، إمام وخطيب مسجد الخليلية بمدينة قنا، الذي يجيد فن النول والخياطة وإعادة تدوير البنطلونات الجنز لشنط بأشكال متعددة، ويحرص على تعليم تلك المهارة لفتيات وشباب القرية من خلال الجمعيات الأهلية، وبدورنا حرصنا على التعرف على قصة الشيخ مع الخطابة والحياكة.

مدارس الراهبات
قال الشيخ أشرف: عشت في طفولتي وشبابي مواقف وأحداثًا كان لها الأثر الفعال والإيجابي في حياتي، حيث نشأت في مساكن مصنع سكر نجع حمادي، ووالدي كان يعمل في المصنع، والمساكن تجمع أناسًا من جميع أنحاء مصر، فشاهدت ثقافات مختلفة وطباع وعادات وتقاليد، والبيت الذي كنت أعيش بين جنباته يسمى "البلوك"، ويحاط بأسوار وأيضًا بزراعات الورد والرياحين والتمر حنة، وخلفه يزرعون الخضراوات والفواكه، ومن وراء السور كنا ننظر إلى مزارعي القصب وبيوت الفلاحين من فوق سطح المنزل، ويحلو ذلك في موسم حصاد القصب وصناعة السكر، ويسمى موسم "الاسترزاق"، فالجميع كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، ويعتمدون عليه في شراء حوائجهم.

ويستمر في سرد ذكرياته قائلًا: "الفرحة كانت تغمر قلوبهم، يهنئون بعضهم بعضا، وليلة البدء كان لها مذاق خاص، فالمزارع يتواعد مع الناس للاجتماع بعد الفجر، لمساعدته في قطع القصب، ويكون ذلك من الرجال والنساء والأطفال، وتسمع زغاريد النساء وصياح الأطفال وتكبير الرجال وغنائهم، ويتهيأ المصنع لاستقبال القصب، وكنت وقتها أدرس في مدارس الراهبات، وحصلت على الابتدائية والإعدادية، فكنت أحبها جدا، لأن مبانيها أثرية عريقة وجميلة، تتمتع بالنظر إليها ومن بينها الحدائق والجناين والأشجار الكثيفة، حتى إنني كنت أذهب مبكرا فكنت أول من يدخل المدرسة مع العامل".

إمام مسجد المنيل يوضح معاني الحياء في "علمني حبيبي" (فيديو)


ونوه إلى أن "المدرسة كانت ذات ألوان جميلة، وتحوم حولها الفراشات بألوانها البديعة، ثم يلفت سمعي وبصرية أصوات العصافير والبلابل في غنائها، وكأنها تعزف الألحان، وتنتقل من مكان إلى مكان، ومن فرع إلى فرع.. هذا عصفور، وهذه يمامة، وهذا بلبل.. أعيش لحظات متمتعا، وهي محفورة في الذاكرة، قضيت دراستي فيها وأنا سعيد مع المعلمين والمعلمات وزملائي وزميلاتي وعمال المدرسة ثم حصلتُ على الشهادة الإعدادية".

الدراسة في الأزهر أو الصنايع
يكشف الشيخ أشرف أنه كان متحيرًا بين الالتحاق بمدرسة الصنايع؛ طمعا في أن يلتحق بمصنع السكر، وخاصة قسم الخراطة وتصنيع قطع الغيار للمعدات، أو الأزهر أملا في أن يكون عالما يعلم الناس الدين والحياة، فكان من نصيبه الالتحاق بالأزهر، فقرر أن يذهب إلى أزهر القاهرة لآخذ العلم على أعلامه وخاصة علماء الوسطية، وتشاء الأقدار أن يكون مقر كلية الدعوة في الجامع الأزهر فينال بركة المكان، وتخرج في كلية الدعوة الإسلامية بالإجازة العالية.

إمام مسجد ونول
واستطرد قائلًا: "عُينتُ إمامًا في مديرية أوقاف قنا، واجتهدت لأن أكون إماما يُقتدى به مُتأسيا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، علما وعملا، فتميزتُ في أسلوبي في الدعوة والخطابة والدروس في المسجد ولي بعض المؤلفات، ورُشحت من قبل مديرية أوقاف قنا للقب الإمام المثالي، ورشحت نقيبا للأئمة ببندر قنا، ورغم ذلك أحسست أني لم أؤدِ رسالتي وهناك شيء لا بد من فعله.

يضيف الشيخ أشرف: "من هنا بدأت تراودني فكرة فتح محل لتظبيط الملابس، وجعلت فيه من يعمل من البنات اللاتي يحتجن إلى عمل، وكان أول محل نسائي بمدينة قنا، وهذا المحل اضطرني لأن أتعلم الخياطة وتصليح الماكينات، وأقوم حاليًا بتعليم الخياطة مجانا، ويوجد 8 من الفتيات والنساء، لافتًا إلى أن ذلك لم يكن بغرض الكسب، بل قدوة للشباب في البحث عن الرزق والعمل".

ويقول: في فترة الدراسة تعلمتُ بعض المهن والحرف، للقضاء على الفراغ والخمول الذي يؤدي إلى الوساوس والهواجس والعقد النفسية والتطرف والانحراف، وهذا دفعني إلى الذهاب لبعض الجمعيات الخيرية، فوجدتُ عندهم تلالًا من الملابس القديمة المستهلكة، ولا يلبسها الفقراء، ففكرت في الاستفادة منها في صنع أشياء أخرى، من خلال "إعادة التدوير" في عمل شنط وعمل سجاد قماش، ففكرت في عمل نول لصناعة السجاد، وأخذت أبحث 3 سنوات حتى هداني الله إلى رجل مجتهد ومكافح، ورغم كبر سنه إلا أنه كان يمتلك روح الشباب، وهو الحاج عباس النجار من قرية الجبلاوي، فعرضت عليه الفكرة فأبدى استعداده لمساعدتي، فطلبت منه عمل نول، فصنعه لي، وعلمني كيفية عمل السجاد القماش، وتعلمتُ وأتقنتُ عمل السجاد.

وتابع: عرضت الأمر على بعض الجمعيات ليستفيدوا من الملابس القديمة بعمل السجاد وبيعه، ليستفيدوا ماديًّا وتشغيل البنات ، فاقتنع البعض ورفض آخرون، ومن هنا أصبح هذا المنزل بنوله نزهة واستجمامًا وراحة نفسية وتعليم السجاد القماش للراغبين من أبناء القرية، لافتًا إلى أن استخداماته وفوائد صحية متعددة فهو يوضع على الكنب والسراير، ويفرش في السيارات، فهو صحي للجلوس عليه، ويستخدم في القرى السياحية.


وأكد الشيخ أشرف أن الحرف التي تعلمها من فنون الخياطة وصناعة السجاد وإصلاح الماكينات، لم تؤثر على رسالته الدينية في المسجد والدعوة، مؤكدًا أن الهدف كان من ذلك هو الاقتداء بالرسول "صلى الله عليه وسلم" والصحابة والأنبياء والرسل الذين كانوا يفضلون العمل بأيديهم.
الجريدة الرسمية