رئيس التحرير
عصام كامل

فتحي رضوان يكتب: عندما ضل أحمد ماهر الطريق

فيتو

في مجلة الإثنين عام 1952 كتب المحامى المناضل فتحى رضوان مقالا قال فيه:
انطلقت طلقات نارية في البهو الفرعونى واهتز لها اهتزازا شديدا، خرجنا من الحجرات واندفعنا متسابقين.. سمعت بعدها أصواتا مبحوحة وعبارات مخنوقة، وترامى إلى سمعى كلمة قنابل قنابل.

وفجأة اقترب منى عبد الحميد عبد المقصود قائلا أحمد ماهر قتل بعد انتهائه من إلقاء بيان الحكومة أمام مجلس النواب.. قتله محمود عيسوى دارس الحقوق الحاصل على الدكتوراه.

سألنى: محمد عيسوى ده حزب وطنى؟ قلت: أظن، فقال أظن ده حايضرك.

لقد صدق حدسه إذ لحق بى في منزلى حضرة وكيل النيابة ومعه بعض ضباط القلم السياسي، وبعد التفتيش الدقيق عدت معهم إلى مجلس النواب وجلست في حجرة مدير مكتب رئيس المجلس، واحتجزت فيها حتى الصباح بعد أن صدر الأمر من القلم السياسي بتطويق مبنى البرلمان وسد منافذه ومنع الدخول والخروج منه.

وفى اليوم التالى اقتادونى إلى نيابة باب الخلق حيث جلسة استجوابى، ودخلت القاعة التي سبق ودخلتها متهما ومحاميا وشاهدا وصحفيا، وكان يرأسها عبد الرحمن الطوير النائب العام الذي طالما رافقته في تحقيقاته الكبرى.

سألنى أين كنت ساعة مقتل المرحوم الدكتور أحمد ماهر؟

قلت في بساطة: في البرلمان، وقصصت للنائب العام كيف دخلت البرلمان وتنقلت فيه، وصدقنى النائب العام، أحاط بى الضباط لينقلونى إلى سجن الاستئناف.

وأحمد ماهر من الشخصيات القليلة، ولم أره في السنة الأخيرة إلا مرة واحدة وتمت في يوم كان مزدحما بالمقابلات.

وفى عام 1944 بعد أن أصبح أحمد ماهر رئيسا للوزراء وكانت الأحزاب متفقة على توزيع الدوائر الانتخابية وكنت مندوب الحزب الوطنى في اللجنة فرأيت عظماء مصر في السياسة، تأخرنا في اللجنة حتى الفجر، ولم يكن لدي سيارة واذا بأحمد ماهر يدعونى للركوب معه، وكانت المرة الأولى التي تكلمت فيها معه بلا تحفظ.

تركته وأنا واثق أن أحمد ماهر من أنصار الحزب الوطنى، وأن الفوضى التي وقعت عام 1919 جعلته يضل طريق العودة إلى أهله فذهب إلى سعد زغلول.

لقد كان قاتل أحمد ماهر محاميا من شباب الحزب الوطنى وكان أبعد الناس عن استعمال المسدس.. لكنه لم يقصد قتل ماهر وإنما قصد أن يعبر عن سخطه على الإنجليز بسبب الوزراء الذين أحنوا رؤوسهم للإنجليز.

فلما أذيع أن مصر سوف تعلن الحرب على ألمانيا للوقوف إلى جانب إنجلترا انفجر السخط المكبوت فكانت الكارثة أن فقدنا اثنين من الوطنيين في وقت واحد أحمد ماهر ومحمود العيسوى الذي حوكم أمام المحكمة العسكرية برئاسة محمود منصور بك وحكم عليه بالإعدام أوائل أغسطس عام 1945.. أما أنا فكان مصيرى سجن الأجانب.
الجريدة الرسمية