عبد الوهاب يكتب: من هي أم كلثوم؟
في عدد خاص من مجلة الكواكب عن السيدة أم كلثوم عام 1949 كتب الموسيقار محمد عبد الوهاب مقالا تحت عنوان قال فيه:
من مذكراتى عن أهل الفن التي أكتبها للذكرى والتاريخ وقد ترددت في نشرها لأننى أخشى ألا يتسع صدر فنانينا لبعض ما جاء بها من ذكريات الماضى..لكنى مع ذلك أقدم على نشرها لأنها جزء من تاريخ الفن.
وأبدأ بأم كلثوم. قد لا يعرف الكثيرون إننى والأنسة أم كلثوم ظهرنا معا ولأول مرة وآخر مرة من أكثر من عشرين عاما (1926) وكان ذلك في منزل والد الصديق أبو بكر خيرت وقيل لى قبيل الحفلة أننى سأغنى مع أم كلثوم ففرحت واعتبرت هذا الخبر بشرى كبيرة لمطرب غير معروف تماما في حين أنها كانت قد عرفت منذ سبع سنوات وأعجب الناس بها.
وغنيت مع أم كلثوم "على قد الليل مايطول.." وأحسست وأنا بجوارها ـننى برفقة أستاذ وـن هذه الحفلة يتوقف عليها مصيرى كمطرب ناشئ، فقالت لى أم كلثوم "انت كويس ولا ايه..هوه انت بتترعش ليه ؟".
وهكذا غنيت مع أم كلثوم..ولكن من هي أم كلثوم ؟ إن لأم كلثوم فضلين فضل كمغنية وفضل كمساهمة في بناء النهضة الموسيقية الحديثة في مصر وفى الشرق كله.
وفضل أم كلثوم كمغنية أنها جمعت من مواهب المطرب التي يجب أن تتوافر فيه كل ما يمكن للطاقة البشرية أن تجمعه.
وإذا كان يتعين على المطرب الناجح أن يغنى في حفلة في سرادق يسمعه آلاف المستمعين وان يسمع كل آلاف بصوته غير مستعين بآلات التكبير وان تكون لديه قوة احتمال أن يغنى ساعة أو أكثر غناء متواصلا وان يتمكن من التنويع والتلوين وتغيير المقامات... فإن ام كلثوم جمعت في صوتها كل هذه المواهب التي يجب أن تتوافر في المغنى وهذا هو سر عظمة أم كلثوم.
ففى عصرنا الحالى يندر أن تتوافر في مطرب مشهور إحدى هذه الصفات أو معظمها ومع ذلك يتمتع بالشهرة والصوت العريض عن طريق الميكروفون، حتى إنه استغنى عن الغناء ساعة أو ساعتين لأنه يسجل أغنية في السينما أو الإذاعة تجلب له الشهرة والرزق الواسع.
وأما عن أم كلثوم التي ساهمت في الطفرة الفنية الحديثة فهذا معروف ولولا حسن تدبيرها وما تتمتع به من عقلية واسعة واعية لما استطاعت أن تحتضن الشاعر أحمد رامى، فقد لمست بإحساسها الواعى أن الرأى العام سوف يمجد الأغانى الخليعة ذات المعانى المبتذلة وأن الرأي العام لن يتقبل مستقبلا طقاطيق واغان من نوع (ايه اللى جرى في المندرة..) فقربت اليها رامى وتعاونا معا على النهوض بفن الغناء معنى وأداء وكان أن بدأت بطفرة رائعة "الشك يحيى الغرام ".. حقا إن أم كلثوم قد ساهمت بعقلها وقلبها في رفعة فن الغناء.
