رئيس التحرير
عصام كامل

الأرشيف السينمائي.. خرج ولم يعد (2)


سافر "يحيي حقي" إلى فرنسا لحضور مهرجان كان السينمائي عام 1956 بعد عدة أشهر من توليه رئاسة مصلحة الفنون، التي تأسست في شتاء 1955 كجزء من وزارة الإرشاد القومي، بهدف رعاية السينما والمسرح والموسيقي، وهي أول هيئة في تاريخ مصر تشرف رسميا على هذه الفنون.


التقي "يحيي حقي" في مهرجان كان مع مسيو "هنري لانجلو" مدير السينماتيك الفرنسي "الأرشيف السينمائي" الذي أقنعه بضرورة تأسيس أرشيف للسينما المصرية، ليس هذا فقط بل والمشاركة في المؤتمر الدولي للأرشيف السينمائي.

عاد "يحيي حقي" من كان، ليقرر إنشاء قسم ثقافي في إدارة شئون السينما، يهتم بإنشاء مكتبة سينمائية تضم كثير من الكتب عن السينما كصناعة، وتنظم أيضا ندوات للأفلام وأرشيفا ومعهدا للسينما.

تم إنشاء الإدارة العامة للثقافة، والتي بدأت في ترجمة عشرات الكتب في صناعة السينما، والتي أشرف عليها المخرج والناقد "أحمد كامل مرسي" وظهرت عشرات العناوين المترجمة له، و"أحمد الحضري" و"فريد المزاوي" و"هاشم النحاس" وغيرهم.

كانت الكتب في متناول الجميع وبقروش زهيدة في متناول يد أي هاوٍ للسينما، أذكر منها كتاب "صناعة الأفلام من السيناريو إلى الشاشة" ترجمة "أحمد الحضري" وتأليف البريطاني "أندرو بوكانان"، الذي قدم للسينما أيضا عددا من الكتب منها: الأفلام في طريق السينما، فن إنتاج الأفلام، السينما هي كتاب العالم، السلم عن طريق الفيلم، الفيلم في المستقبل، الذهاب إلى السينما، الفيلم والتعليم.

ظهرت بعد ذلك المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، لتقدم لهواة السينما ومحترفيها خدمات جليلة بإصدار عشرات بل مئات الكتب المترجمة، تحت عنوان كيف تكتب السيناريو، كيف تخرج للسينما، كيف تشاهد فيلما سينمائيا، الفيلم والجمهور، كيف تعمل المؤثرات السينمائية، وغيرها من الكتب التي كان لها دور بارز في دعم الثقافة السينمائية قبل أن تظهر إلى الحياة أكاديمية الفنون، والمعهد العالي للسينما بعد ذلك بسنوات وتحديدا عام 1959، ويعود فضل إنشائهما إلى الدكتور "ثروت عكاشة" وزير الثقافة آنذاك.

نعود إلى الأرشيف السينمائي لنجد أن "يحيي حقي" كان حريصا على مشاركة مصر في المؤتمر الدولي للأرشيف السينمائي، وبناء على الدعوة الموجهة إلى مصلحة الفنون من الاتحاد الدولي لأرشيف الفيلم لانتداب مندوب بصفة مراقب عن الحكومة المصرية لحضور مؤتمره السنوى المنعقد بمدينة دوبروفنيك بيوغسلافيا بين 9 و16 سبتمبر سنة 1956، وبعد موافقة وزارة الإرشاد القومى تقرر انتداب "فريد المزاوي" بهذه الصفة، حتى يمكن للمصلحة أن تنتفع بما سوف يكتسبه من خبرة بعد عودته، وتم موافقة وزارة الخارجية على هذا الانتداب.

سافر "المزاوي"، وعندما عاد أنشأت مصلحة الفنون حينذاك "السينماتيك المصرية" بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي لأرشيف الفيلم في سبتمبر 1956، ولما ألغيت المصلحة آلت "السينماتيك" إلى مؤسسة دعم السينما، وظلت بها إلى أن صدر القرار الوزارى رقم 142 لسنة 1964 بإنشاء المركز الفنى للتعاون السينمائى العربى، ونص فيه على تشكيل "السينماتيك" وفقا للنظم التي أعتمدها الاتحاد الدولى لأرشيف الفيلم توطئة لانضمامها إلى عضويته.

وفي سنة 1968 صدر قرار وزارى آخر بتغيير اسم المركز إلى المركز الفنى للصور المرئية بوزارة الثقافة، وتوليه نفس اختصاصات المركز السابق، ومنها تنمية "السينماتيك" بضم محتويات مكتبة الأفلام بمؤسسة السينما إليها، وما يستجد من أفلام مودعة بالتطبيق لأحكام القرار الوزارى رقم 245 بتاريخ 25 /11 / 1968، والتي تقضى بإلزام كل منتج سينمائى بتقديم نسخة أخرى مقاس 35 مم من الفيلم الذي يتقدم للرقابة على المصنفات الفنية بطلب الترخيص بعرضه، وذلك لإيداعها بسينماتيك المركز.

وفى 4 /3 /1969 أوصت لجنة وكلاء الوزارة بسرعة إنشاء "الأرشيف القومى للفيلم" لأهميته الكبرى في الحفاظ على التراث السينمائى ونشر الثقافة السينمائية. وفعلا صدر القرار الوزارى رقم 129 في 4 /5 / 1970 بإيجاد كيان مستقل "للسينماتيك" يحمل اسم "الأرشيف القومى للفيلم"، وترتب على ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لانضمامه إلى الاتحاد الدولي وظفر بعضويته في نفس العام ليصبح أول أرشيف عربى وأفريقى يعترف به الاتحاد الدولى.
ولكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن، وللحديث بقية إن كان في العمر بقية

الجريدة الرسمية