رئيس التحرير
عصام كامل

إنه بن لادن.. بداية المأساة


هل يمكن أن تكون نشأة أسامة بن لادن السبب في كونه قاسيًا؟ بيئة خصبة لزرع أفكار شيطانية ستتملكه فيما بعد، ربما ذلك، العيش في كنف الأب والإحساس بحنانه يحصّن الطفل، يُعلمه الحب من الصغر فيحب الحياة ويكره الموت والنار وطلقات الرصاص، طفولة «الشيخ» خلت من كل ذلك، ظل مجرد رقم ضمن أرقام أسرة «بن لادن» الكبيرة، الابن الثامن عشر لا أكثر.


لقراءة الحلقة الأولى.. "إنه بن لادن.. الحكاية من أولها"

وكثرة الأطفال لم تكن حكرًا على "محمد بن لادن" فقط، بل إن الشخصية العربية عمومًا تفتخر بكثرة الأبناء، يعتبرون ذلك عزوة، فما بالك إن كانت تلك الشخصية في الأساس تعيش في بيئة بدوية مثل المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت ومن رجل مقتدر ماليًا، ولعل أول ملاحظة عن علاقة "أسامة بن لادن" يرويها نجل الأخير "عمر"، فيقول: لم يكن والدي يقول والدي أبدًا، بل حين يأتي ذكر "محمد بن لادن" يقول جدّك.

يقول "عمر بن لادن" قال لي والدي «جدك كانت لديه قواعد لكل شيء أذكر مرة استدعى فيها أبناءه إلى المنزل لسبب ما ولديه قاعدة متشددة كلما اجتمع بأبنائه تقضي بأن نصطف في خط مستقيم جدا بحسب الطول بدلا من العمر فنجتمع من الأطول إلى الأقصر وكان نادرا أن يلتقى أنصاف الإخوة إذا صرفنا كثيرا من الوقت نقيس بعضنا وفي يوم حشرني اثنان من إخوتي الأكبر سنا بينهما وكلاهما أطول مني فوقفت صامتا آملا ألا يلاحظ، لكن جدك لاحظ فاستشاط غضبا ومشى ليقف في مواجهتي وصفعني بدون أي كلمة إنذار بأشد ما أوتي من قوة على وجهي حتى كدت أسقط أرضًا».

وأكمل "عمر بن لادن" على لسان والده: «تأكد بعدها يا "عمر" أنني لم أنس أبدا ألم تلك الصفعة وما زالت مرارتها على وجهي وفي قلبي لكن يمكنك أن تتأكد من إنني لم أخرق ذلك القانون بعد هذا، كان جدك خشنا مع أولاده لكنه أكثر الرجال سخاء عندما يتعلق الأمر بالغرباء أذكر المرة التي ملأ فيها كيسًا من المال وشق طريقه إلى قرية عرفت بفقرها وقرع كل باب فيها ووزع النقود على القرويين الذين كانوا متفاجئين».

موقف آخر جمع "أسامة" بأبيه ويرويه لابنه فيقول «انتابتني وأنا في التاسعة من العمر رغبة شديدة في الحصول على سيارتي الخاصة وأحببت السيارات في وقت مبكر وتحدثت بدون انقطاع عنها دافعًا بأمي وزوجها إلى حافة اليأس، و"محمد" كما تعرف ليس بالرجل الثري ولا يمكن أن يجاريني لكن بعد أشهر من تنغيص الحياة على أمي أعلن "محمد" أنه سيطلب موعدا للقاء مع والدي بحيث يمكنني الإعراب عن رغبتي للرجل الوحيد الذي في وسعه تحقيقها».

ويضيف "عمر بن لادن" على لسان أبيه «أصابني التوتر والإثارة لما علمت بالخطة لم يسبق لي أن وقفت وحدي أمام جدك، ولم أكن أراه إلا عندما يستدعي أبناءه، ولم يتوفر لي هذا النوع من العلاقة الذي من شأنه أن يسهل الوضع لكنني صممت على المتابعة، وجاء اليوم الموعود وقادني "محمد العطاس" إلى مكتب جدك، نظر إلى بدون أن يبتسم وقال: ما الذي تريده يا بني وشد "محمد العطاس" على كتفى مشجعا وقد استرحنا لأن جدك تعرف إلى بسهولة فقد اشتهر إنه لا يعرف أولاده ابدا وكان دائما يطلب من أحدهم أن يعرف عن نفسه بتسمية والدته لكن والدي عرف في ذلك اليوم أنني من صلبه وها أنا أدرك الآن السبب هو أن "محمد العطاس" كان يرافقني، وجدك يعرف زوج أمي إلا أنني لم أفكر يومها هكذا».

ويكمل «أخذ جدك ينظر بصرامة إلى عيني فخفضت نظري لأنه لا يمكنني التحديق في عينيه مباشرة وقد حرصت على ألا أظهر عدم الاحترام وأنا استمع إليه، يسألني أن أطلعه على سبب وجودي هناك، طرح على السؤال ذاته ثلاث مرات قبل أن أتمكن أخيرًا من إيجاد صوتي، وفاجأت نفسي بنبرتي الثابتة، أريد سيارة يا أبي، بقى يطرح السؤال ذاته وأنا أعطيه الجواب إياه، وسألني أخيرا لماذا تحتاج إلى سيارة يا "أسامة"، قلت لأنني أريد أن أقودها إلى المدرسة فرد لماذا تعتقد انك تستاهلها فقلت لأنني أحب السيارات وسأكون جيدا في القيادة. 

فرد هل أنت جيد في المدرسة؟ قلت أنا جيد، فسأل هل أنت ولد مطيع؟ جلس صامتا وهو يفكر في قراره، ثم قال سأمنحك دراجة».

«أحسست بالذهول لكنني عرفت أنني سأتعرض للضرب لو اعترضت على قراره، وأعاد نظره إلى الوثائق الموضوعة في مكتبه، دلالة على ضيق وقته، فشكرته وخرجت لم يودعني وأنا لم أنبس بكلمة وداع، واعتقد إنها المرة الأخيرة التي شاهدت فيها جدك، واكتأبت إلى درجة أنني عجزت عن الكلام، وتسلمت بالفعل دراجة حمراء لكنها فشلت في إشعال الفرح في قلبي..

لكن في أحد الأيام حصلت على أكبر صدمة، حين وجدت سيارة جديدة أمام منزلنا في جدة، وكانت لي، كان ذلك أسعد أيام حياتي، لم تسمح لي والدتي و"محمد العطاس" بقيادتها وحدي لبضع سنوات إضافية، لكن سائقنا "محمد" كان يأخذني لفرحتي الهائلة لأقوم بجولة بها ولم أحظ بفرصة ثانية للقاء جدك لأنه مات».

ربما ذلك المشهد يلخص علاقة "أسامة بن لادن" بأبيه، كيف كانت المعاملة وكيف أن تذكر اسمه في حد ذاته أمر يستحق الذكر، أما الأهم فهل معاناة "أسامة" من أبيه جعلته أبا حنون على أولاده، ذلك ما نعرفه خلال الحلقة المقبلة.
الجريدة الرسمية