رئيس التحرير
عصام كامل

إحسان عبد القدوس يكتب: من أنا؟

 احسان عبد القدوس
احسان عبد القدوس

في مجلة روزاليوسف عام 1957 كتب الأديب الصحفى إحسان عبد القدوس مقالا قال فيه:

من هذا الشخص الذي أطلق عليه لفظ "أنا" أريد أن أتعرف إليه وأناقشه في هذه التصرفات التي ترسم ذكرياتى وحاضرى ومستقبلى، وذنوبى وحسناتى.

لنتكلم في هدوء دعونى أسأل نفسى من جديد من أنا؟
أنا مسلم لكن هذه الصفة لا تميزنى عن غيرى من ملايين المسلمين ولا تحدد من أنا
أنا مصرى عربى.. لكن هناك ملايين من العرب المصريين فمن أنا منهم؟
انا عبدالله.. ولكن ما هو الاسم؟ إنه كرقم المنزل لا يدلك على ما فيه ولا يحدد شخصية الإنسان، فالمساجين والجنود مثلا يستبدلون أسماءهم بالأرقام ورغم ذلك لا تتغير شخصياتهم ولا ينقص منهم شيئا.
إن الاسم هو العنوان لكنى أبحث عن الموضوع.. أبحث عن أنا. 
أنا خريج الجامعة لكن هناك مئات خريجى جامعة غيرى وليسوا كلهم أنا..
إذن من أنا؟ أرجوكم دعونى أتكلم بهدوء فأنا مقدم على اكتشاف خطير.. اكتشاف أنا
ولنبدأ من جديد: عندما ينادى على عبد الله المسلم العربى المصرى خريج الجامعة يلتفت رأسى إلى المنادى، فمن الذي التفت؟
إنى أحس أن هناك شخصا يسكن جسدى يأمرنى أن ألتفت فألتفت، فمن هو هذا الشخص.. الشخص الذي يرفع إصبعى في الهواء ويحرك شفتى بقراءة الشهادتين كلما مر بى نعش، الشخص الذي دفعنى إلى الزواج واختار لى زوجتى والشخص الذي يأمرنى أن أكتب هذا الكلام، فمن هو؟
إنى أحس به داخل جسدى ولكنى لا أعرفه ولا أراه، كأن جسدى يضم شخصا آخر قد يكون طائر وقد يكون حيوانا مفترسا.
إذا اتفقنا على أنا هو شخص يقيم في جسدى، بقى أن تعرف من هذا الشخص.. لكن مهلا هل هو شخص واحد أو عدة أشخاص.
كان أمس يوم الجمعة يوم إجازتى وكنت في البيت متكاسلا وإذا بى أحس أنى أريد أن أصلي، أريد أن أذهب إلى النادي، أشعر بالحنين إلى قراءة جريدة أو أذهب إلى شراء قميص من الموسكى.
لابد أنهم عدة أشخاص وأشعر أن هناك معركة داخل جسدى بين هؤلاء، وانتصر الشخص الذي يريد أن يصلى فوجدت نفسى أقوم إلى الصلاة وأنا أفكر في الباقين.
كنت في زيارة إلى الحسين فرأيت جارنا مدبولى يدخل للصلاة في حرارة وابتهال ويجلس يقرأ القرآن رغم أنه تاجر جشع يغش في الميزان ويضرب زوجته.. إنه شخص بداخله النصاب والغشاش والمتدين والعنيف.
النتيجة التي وصلت إليها هي أن أنا ليس واحدا، ليس فردا ولكن مجتمع، أي أن الإنسان يعيش في مجتمع حوله ومجتمع آخر في داخله.
اكتشفت أنه ليس هناك مشكلات فردية.. فقر فرد أو مرض فرد وإنما مشكلات مجتمع لأنى مجتمع.
الجريدة الرسمية