رئيس التحرير
عصام كامل

كامل الشناوى: العمر سر غامض

كامل الشناوى
كامل الشناوى

نشرت مجل "الإثنين والدنيا "عام 1948 كتب الصحفى الشاعر كامل الشناوى بعضا من خواطره التي يعتز بها فكتب يقول:

يستطيع الزمن أن يأخذ منى كل شيء، إلا قدرتى على أن أتمنى.. وعندما تضيق بى سبل الحياة فإننى قبل أن أستسلم لليأس.. سأتمنى.. أتمنى اليأس.


أحب أن يقرأ الجميع كتابا ألفته.. فما بالك بهذا الكتاب الضخم الفخم الذي ألفه الله وسماه الدنيا.. هل يسر الله ألا يقرأه أحد بحجة أنه ناسك أو زاهد أو راهب.. أن من يظنون ذلك يعانون أمية في الإيمان.

التجارب علمتنى أن المرض مثل العمر سر غامض، وقد عرفت بشرا كانوا يأكلون بنهم ولا يمرضون، وأناسا كانوا يأكلون بحذر وظلوا طوال حياتهم مرضى، وأنا لا أخشى الموت فقد واجهت ما هو أصعب منه.. الحياة نفسها.

تمهلى أيتها الأيام.. لا تدفعينى في طريقك بهذه السرعة المجنونة.. إننى لا أجرى، ولا أمشى ولكنى أحفر بخطواتى القبر الذي يضمنى.
قلبى لا يطيق أن يتسكع في ضلوعه بلا عمل، ولذلك فهو حريص على ألا يعتزل الحب حتى لا يتعرض للبطالة.. دائما في مشاعرى همس جديد لذيذ غامض.. أحاول أن اتبينه فتحجبه عنى ثرثرة التجارب وفضول الذكريات.


احيانا تنتابنى حيرة لا أستطيع معها أن أحزن أو أفرح لأن الأيام التي تنقضى من عمرى تزيد من سنى وتجربتى وثقافتى وانفعالى بالجمال، فكيف أحزن على النقص ولا أفرح بالزيادة.. إننى دائما زائد وناقص.

الناس جميعا يتمنون أن تطول أعمارهم.. هذه هي القاعدة، وقد يشذ عنها بعض المفكرين والفلاسفة وهواة الانتحار.. ولست والحمد لله واحدا من هؤلاء، ومع ذلك فإنى كثيرا ما أتساءل هل طول العمر نعمة أم عقوبة.

أنا لا أشكو أبدا، ففى الشكوى انحناء وأنا نبض عروقى كبرياء.

الموت ليس مشكلة، الحياة هي المشكلة.. ومشكلة كبيرة،لماذا تحاولين أن تدمرى يأسى منك بعدما تبدد أملى.. أنك لا تريدين لى أن أستريح، لقد أصبح التنكيل بطمأنينتى هواية تمارسينها بخفة وبراعة
من الكمال أن يدرك الإنسان النقص الذي يعانيه لكن من النقص أن تظن أنك كامل. 

لا تطاردينى هكذا، إننى لا أراك، ولا التقى بك، فلماذا ترغمينى على أن أعيش معك دائما بالخيال والذكرى؟ ما أقسى هذا الجمال الذي يتعقبنى.. كلا.. ليس ما يتعقبنى جمالها، ولكن الذي يتعقبنى حنينى الطائش ووفائى الأحمق.
الجريدة الرسمية