رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحليم حافظ يحكي أسرار حياته

عبد الحليم حافظ
عبد الحليم حافظ

في مذكراته التي نشرتها مجلة صباح الخير عام 1977 تحت عنوان (أسرار حياتى) يحكى الفنان عبد الحليم حافظ مشوار حياته (تمر اليوم الذكرى التسعين لميلاده حيث ولد في 21 يونيو عام 1929) فيقول في جزء منها:


كنت أسمع من علية شقيقتى أن اليتيم مثلى له طريق النور، وكنت في السيدة زينب شابا هادئا ملفت للنظر، وكنت مع الأصحاب أحاول دائما أن أكون هادئا ولست ميتا.

نعم كنت أكره هؤلاء المؤدبين بافتعال، الذين يضحكون بحساب ويمشون بحساب، وكل شيء عندهم بحساب وخاضع لجدول الضرب.

كنت أحب البهدلة الحقيقية، والفوضى بلا إسراف، واختار ملابسى على قدر فلوسى صحيح.. لكن بأناقة وتناسق.

كنت أعرف كيف أكوى القميص والبنطلون، وحتى البلوفر الوحيد الذي كان عندى وكانت علية تخاف على من البرد فكانت تغزل لى كل شتاء كوفية صوف تحمى رقبتى وزورى من البرد.

انتبهت إلى أنى أنى أمام المرآة، وأننى أغنى تحت الدش وأمام قطعة الصابون التي أغسل بها وجهى، في اللحظة التي أغنى فيها كنت أحس أنى أمشى على كوبرى أو جسر، وعرفت الانسجام لأول مرة وأنا أغنى فهو الذي يوصلنى إلى درجة من الرضا عن نفسى وعن أحلامى.

قلت لنفسى إن الغناء عندنا كالعربة الكارو أو العربة الحنطور أو الكاريتة.. كل شيء فيه يتمايل ويهتز، ومحمد عبد الوهاب جالس في القمة يحرك كل شيء وراض عن كل شيء وخائف في نفس الوقت على الموسيقى، ويسمع كل ما فى أوروبا من أغان ولا مانع من أن يطرز الحانه ببعض ما فى الجمل الموسيقية الغربية من جمل موسيقية يمكن أن تركب على اللحن الشرقى.

كنت أحس أنى لا أحب الكارو ولا حتى الكاريتة وهذا راجع إلى كمية كبيرة من الحرمان لدى كما قال لى طبيب بريطانى نفسى كان يعالجنى، وهذا الحرمان هو الذي يفجر في أعماقى الحساسية الشديدة وأنا أغنى.

قال لى الطبيب إن الغناء عندى هو إعادة للبكاء الحزين والمناغاة التي فقدتها منذ ولدت لوفاة أمى.

كلمات الطبيب تذكرنى بأول أغنية قدمتها (على قد الشوق اللى في عيونى ياجميل سلم.. دا انا ياما عيونى عليك سألونى وياما باتألم) أن أنغام هذه الأغنية هي نوع من الدموع التمثيلية والصدق مع النفس والبكاء الملحن السريع.

أعتقد أنى وضعت بهذه الأغنية نهاية لحكاية العربة الحنطور، وبدأت عصر السيارة في الغناء..الحزن السريع التمثيلى الذي يغوص في أعماق الإنسان، ثم يمشى به على الجسر من الأفكار الطارئة والتشتت إلى التركيز، إلى لحظة لقاء صافية مع النفس.

ولعل هذا هو السر في إصرارى على ألا أغير نفسى ولا أغنى مقلد لأحد من المطربين الموجودين، ولهذا رفضت أن أقلد غناء عبد الوهاب.

لا أخاصم أحدا ومنسجم مع حالى وحزنى وأفكارى، وأعتقد أنى لو لم أكن مغنيا لصرت ممثلا لأن التمثيل أيضا خروج من معركة داخلية ورحلتى معها طويلة.
الجريدة الرسمية