رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم الرفاعي.. أسد الصاعقة


من أعظم الأبطال الذين أنجبتهم مصر.. كان مثالًا للرجولة، والشجاعة، والالتزام، والتضحية، والتفاني.. قصة حياته تستحق أن يدرسها تلاميذ المدارس ليتعلموا أسمى معاني الانتماء والوفاء وحب الوطن.


ولد "إبراهيم الرفاعي عبدالوهاب لبيب"، بقرية "الخلالة" مركز "بلقاس"، بمحافظة الدقهلية في 27 يونيو 1931، في عائلة معظمها عسكريون، فوالده كان معاون إدارة بوزارة الداخلية.

كان شابا رياضيا وراميا ماهرا في الكلية الحربية، وعندما عقدت أول فرقة للصاعقة بمصر عام 1955 كان ترتيبه الأول على الفرقة، وأصبح مدرس صاعقة، وفى عام 1956 تسلل إلى بورسعيد، ونفذ أكبر عملية قبل الجلاء بتدمير 3 دبابات بريطانية.

عين "الرفاعي" مدرسًا بمدرسة الصاعقة، وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956 شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد.

أسس المجموعة “39 قتال”؛ التي نجحت، في تنفيذ 39 عملية ناجحة، وكبّدت الإسرائيليين، في حرب 1973 خسائر فادحة، وكانت أحد الأسباب التي جعلت قيادة العدو تفقد صوابها، وتشترط فيما بعد، في معاهدة "كامب ديفيد"، تخفيض عدد قوات الصاعقة المصرية.

قام "الرفاعي" بتنفيذ 72 عملية انتحارية خلف خطوط العدو، بين عامي 1967، و1973، ودمَّر معبر الجيش الإسرائيلي عند الدفرسوار، وحصل على 12 وسامًا تقديرًا لشجاعته، وفي عام 1965 صدر قرار بترقيته استثنائيًّا تقديرًا للأعمال البطولية التي قام بها في حرب اليمن.

بعد معارك 1967، وفي يوم 5 أغسطس 1968، بدأت القيادة المصرية في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء، كمحاولة منها لاستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها، والقضاء على إحساس العدو بالأمن، وبأمر من مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء "محمد أحمد صادق"، وقع الاختيار على "إبراهيم الرفاعي" لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة.

كانت أولى عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عند "الشيخ زويد"، ثم نسف "مخازن الذخيرة" التي تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك 1967، وبعد هاتين العمليتين الناجحتين، وصله شكر من وزير الحربية على المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة.

نجح في أسر جندي إسرائيلي، هو "داني شيمون"، بطل المصارعة، ووصل به إلى القاهرة دون خدش.

قام ومجموعته صباح يوم استشهاد "الفريق عبد المنعم رياض"، بعبور القناة واحتلال موقع المعدية رقم 6 الذي أُطلقت منه القذائف التي تسببت في استشهاد الفريق "رياض"، واستطاع إبادة 44 عنصرًا إسرائيليًّا كانوا بداخله.

تحقق أمله بانطلاق حرب أكتوبر 1973، وفي يوم 18 أكتوبر طلب منه الرئيس أنور السادات أن يعبر القناة حتى يصل لمنطقة "الدفرسوار"، التي وقعت فيها الثغرة ليدمر المعبر الذي أقامه العدو ليعبر منه إلى الغرب، حتى لا تتمكن قواته من التدفق عبر قناة السويس.

بسرعة تمكن "الرفاعي"، هو ومجموعته، من تفجير المعبر ووقف الزحف الإسرائيلى إلى منطقة الدفرسوار، لدرجة أن "إرييل شارون"، الذي كان قائد المجموعة الإسرائيلية، ادعى الإصابة، ليهرب من جحيم "الرفاعي" بطائرة هليكوبتر، ما دفع الجنرال، "جونين"، قائد الجبهة في ذلك الوقت إلى المطالبة بمحاكمته لفراره من المعركة.

وبينما كان رجال المجموعة يخوضون قتالًا مع مدرعات العدو، سقطت قنبلة من إحدى مدفعيات الإسرائيليين بالقرب من موقع البطل لتصيبه، كانت إصابة الشهيد "إبراهيم الرفاعي" وقت أذان الجمعة، الذي تردد من مسجد قريب، وسقط البطل بدون توجع أو تأوه بشظية صغيرة في القلب.. وكان يوم "23 رمضان"، وكان صائمًا. صُدمت القيادة المصرية بخبر إصابة البطل، فطلب "السادات" سرعة نقله إلى القاهرة، لكنه استشهد.

روى أحد قيادات المجموعة، لحظات استشهاده، قائلًا: "كان "الرفاعي" عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة، وعندما شاهد زملاؤنا حذاءه أبلغوا باللاسلكي أنه أصيب، وسمعهم اليهود، وعرفوا الخبر، وكانت فرحتهم لا توصف، حتى إنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالًا بالمناسبة..

وذهبنا به لمستشفى الجلاء، وحضر الطبيب، وكانت الدماء تملأ صدره، وأدخلناه غرفة العمليات، وطلبنا من الطبيب أن ننظر إليه قبل أن نخرج، فقال: "أمامكم دقيقة واحدة"، فدخلنا إليه وقبلته في جبهته، وأخذتُ مسدسه ومفاتيحه ومحفظته، ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أنه استُشهد. وقد تسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام، وكان جسمه لا يزال دافئًا وتنبعث منه رائحة المسك".
الجريدة الرسمية