رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سيف الإحراج!


سألت ابنى، وأعلم أنه ذو شخصية مستقلة في أغلب تصرفاته، ويحتكم إلى العقل دائما: «لو كنت في مكان ما ورأيت أحد المشاهير، هل تسارع إلى الالتصاق به، وطلب التقاط صورة تذكارية معه، رُغما عنه؟».


لم أنتظر إجابة، وكررت عليه السؤال بمعنى آخر، وأعلم مدى عشقه للاعب "محمد صلاح"، ومتابعته كافة مبارياته وشئونه: «لو كنت في مكان ما ورأيت "صلاح"، وأحسست برغبته في الإنفراد بنفسه قليلا، هل تسرع إلى الالتصاق به رُغما عنه للتصوير معه، رغم حبك له؟».

رد قائلا: «لا، لن أتطفل عليه وما دمت أحسست برغبته في الجلوس وحده، فلن أرمى نفسي، ببساطة يا بابا هو بنى آدم وأنا بنى آدم، والصورة معاه هاتبسطنى أمام أصحابي صحيح، إنما هاكون متضايق من نفسي لو حسيت إنى أخدت الصورة بالعافية، أو لمجرد إنى أحرجته وإنه هايتكسف منى، مالهاش طعم يابابا».

بالعودة إلى المشهد الذي حدث أمام منزل لاعب عالمى، وتزاحم بعض الأهالي على انتظاره أسفل منزل والده قبيل صلاة العيد، بل وصياح لشباب منهم مطالبين إياه بالنزول للتصوير، ما دفعه لكتابة تغريدة عبر «تويتر»، انتقد فيها اقتحام خصوصيته، الأمر الذي حال بينه وبين النزول لأداء الصلاة، ومع كامل التقدير والاحترام للقرية وأهلها ودرجة محبتهم لابنهم، إلا أن قليل من الامتثال لرغبة الآخر، وعدم الإثقال عليه، لربما كانت أفضل وأحسن، وأوقع في النفوس.

يتشابه هذا مع تصرفات كثيرة في حياتنا، يطبق فيها البعض سلبية إحراج الآخر، والإدراك التام لخجله أن يرفض أمرا ما، أو يطالب بحق أصيل له.

فهذا الصديق الذي شكى مر الشكوى من خجل زوجته من إحدى جاراتها، التي تستغل أدب الزوجة الجم، وتترك أطفالها لديها بالساعات، حتى تنتهى من أعمال المنزل، مع ما يحدثونه من ضوضاء بالغة، ورغم تنبيهه زوجته أكثر من مرة أن هذا الأمر يضايقه، وتحدثه مع زوج جارته في هذا، إلا أن الأمر استمر، ودفعه هذا ذات يوم للخروج عن شعوره وطرد الأطفال، وبالتالى حدثت قطيعة بين الجارين، لأن أحدهما ضاق ذرعا ولم يتحمل (رذالة) الآخر عليه وتطفله على بيته.

نفس الشيء حينما يستخدم عامل بوفيه أو بنزينة أو سوبر ماركت، القول المأثور (معلش بقى مافيش فكة)، فيدفعك آسفا مضطرًا إلى ترك حقك تحت بند (الإحراج)، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي تندرج تحت هذا البند، بمختلف الأشكال.

الرابط هنا مبدأ ضرورة احترام عقل الآخر، وخصوصيته، وعدم استغلال أدبه وطيبته وحيائه، وعدم تسليط سيف الحياء على رقاب الناس، فما آخذ به فهو باطل، وبقدرة قادر حولناه إلى (سيف إحراج) حاد، فتغلى بسببه الدماء في العروق، وتنفجر العروق في صمت، كمدا.

لنعود أولادنا أن فرض النفس (التناحة)، والطلب في غير وقته أو موضعه، والإثقال على الآخرين، والإلحاح في الطلب، لا تخلق منهم شخصيات سوية، بل تقزمهم في العيون، ولنخبرهم أن عزة النفس وإعطاء الحق بغير طلب، يٌكون منهم نفوسا وعقولا يحترمها الآخرين ويقدرونها ويطلبون ودها ويحبون التعامل معها، فالعزة والترفع، تجلبان المحبة والألفة والراحة، وتضع أطرًا سليمة للتعامل بين الناس، لنعودهم بصدق أنهم بعزة أنفسهم دائما، سيطلب الآخرين ودهم، ويرتقون سموًا وعلوًا.
Advertisements
الجريدة الرسمية