رئيس التحرير
عصام كامل

«حاخامات المرشد».. 20 ألف يهودي يعيشون في إيران ويلعبون دور الوساطة في إخماد «حرب ترامب».. ينتشرون في مدن أصفهان وشيراز.. ويتمتعون بمزايا ضخمة داخل المجتمع الإيراني


صعد الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، موقفه ضد إيران، معلنا إرسال 1500 جندي إلى منطقة الشرق الأوسط، لحماية المصالح الأمريكية والعربية، وجاء القرار تزامنا مع تأكيد الجيش الأمريكى تورط طهران في محاولة تخريب ناقلات النفط في الإمارات.


حشد الولايات المتحدة العسكري والنفسي ضد النظام الإيرانى، يدعمه الاحتلال الإسرائيلى بقوة ويصور طهران على أنها الشيطان الأعظم في المنطقة، ووسط طبول الحرب الوهمية يتناسى العرب دور يهود إيران في قلب هذه المعادلة، وما يمثلونه كصمام أمان لمحور التعاون السري بين الجميع، لعملهم كقناة اتصال بين المرشد وتل أبيب في مختلف المجالات بما فيها الاقتصاد.

ورغم أن تعنت الموقف الأمريكي تجاه طهران مصدره إسرائيل وتحديدًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي على وشك تحقيق حلمه في تولي منصب رئيس الوزراء لفترة أطول من أول رئيس وزراء الاحتلال، ديفيد بن جوريون، بعد تشكيل حكومته الخامسة قريبًا، حيث نجح نتنياهو في إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه على الجانب الآخر من النهر تلعب الجالية اليهودية في طهران دورًا حاسمًا في منع الحرب بين طهران وواشنطن.

ورغم تباهي نتنياهو بنفوذه المؤثر على قرارات البيت الأبيض وخاصة فيما يخص الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني إلا أن حكومته لا تريد حربًا أمريكية- إيرانية تحرق الشرق الأوسط وتطال إسرائيل، خاصة أن الأخيرة تخشى من رد فعل بعض التنظيمات الموالية لطهران في غزة، والتي لن ترحم تل أبيب، وبالتالي يتوافق في النهاية موقف حكومة نتنياهو وموقف الجالية اليهودية التي تعيش في طهران، على ضرورة منع حرب أمريكية- إيرانية حتى وإن بدا الأمر عكس ذلك.

إيران لا تزال تضم أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط يقدر عددها بـ آلاف من اليهود الذين يعيشون في الجمهورية الشيعية في عهد آيات الله، وخاصة في مدن طهران وأصفهان وشيراز وتمتد جذورها إلى أكثر من 3000 عام، هذه الجالية تتمتع بمزايا كبيرة داخل المجتمع الإيراني، ولها صوت مسموع لدى الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وتلعب دورًا مهمًا في جعل الأجواء حميمية بين طهران وتل أبيب رغم التصريحات الإعلامية غير ذات الجدوى التي تتراشق في بعض الأحيان بين النظامين الإسرائيلي والإيراني، حتى حينما تصدر خطابات التصعيد التي يصدرها نتنياهو أمام العالم تجد الجالية اليهودية في إيران أول من ترسل للحكومة الإسرائيلية تطالبها بالحد من ذلك.

الغالبية العظمى من يهود إيران يؤكدون أن موقفهم إيجابي تجاه النظام هناك خاصة في السنوات الأولى من عهد الرئيس حسن روحاني، الذي أدى بهم إلى حياة مريحة وازدهار اقتصادي، ولكن كباقي الإيرانيين يعانون في الآونة الأخيرة من التضييقات والعقوبات الأمريكية على الجمهورية الإسلامية، لذلك فهم أداة إيرانية في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، فضلًا عن دورهم في تحسين شكل العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية، وترى هذه الجالية أن أي تطور خطير في العلاقات بين تل أبيب وطهران أو حتى واشنطن لا ينذر بالخير بالنسبة لهم كجالية كبيرة تعيش في طهران، ورغم ولاء تلك الجالية للنظام الإيراني إلا أنهم يشعرون بالفخر أنهم ينتمون روحيا ودينيا لدولة الاحتلال.

ويقدر عدد الجالية اليهودية في إيران اليوم بأكثر من 20000 يهودي، وهو عدد كبير، على الرغم من صغر عددهم مقارنة بأكثر من 80 مليون شخص يعيشون في إيران اليوم، اللافت أن الرقم ليس صغيرًا في بلد تواصل وسائل الإعلام الإيرانية فيه الليل بالنهار للحديث عن التهديد الذي يشكله لإسرائيل، والأمر ذاته في وسائل الإعلام العبرية، ولكن من الممكن أن نفهم من هذا الرقم تأثير تلك الجالية على تحسين العلاقات الإسرائيلية- الإيرانية.

وباعتراف من يهود إيران أنفسهم الذين يشددون على أنهم محميون من النظام الإيراني فإن الشركات الإسرائيلية - الخاصة والعسكرية – أسست العديد من المشاريع في إيران، بفضل كونهم قناة اتصال بين النظامين، مؤكدين أنه في الواقع، حتى يومنا هذا.

هناك العديد من الطرق والمباني التي تم بناؤها من قبل الشركات الإسرائيلية وأبرزها فندق هيلتون في طهران، الذي بنته الشركة الإسرائيلية الأضخم والأشهر سوليل بونيه، وحتى في عهد الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، الذي لم يكن يكف عن ترديد عبارته الشهيرة: "سنمحو إسرائيل من على الخريطة" والتي قوبلت دومًا بتلويح إسرائيل بالحرب على إيران، يؤكد يهود إيران أنه في عهده تحسنت حياتهم بشكل ملحوظ، وكذلك العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، ومع وصول روحاني تحسنت ظروفهم بشكل أكبر لدرجة دفعت بعض أعضاء الكنيست للتأكيد أن يهود إيران لا يرغبون في العودة مطلقًا لإسرائيل بفضل الحياة المريحة التي يتمتعون بها في عهد روحاني.

لا يقتصر دور الجالية اليهودية في طهران على تعزيز قناة الاتصال التجارية والاقتصادية بين طهران وتل أبيب بل يركزون على الناحية الثقافية أيضًا حيث يترجمون النصوص الفارسية إلى العبرية وخلق قناة اتصال ثقافية بين البلدين.

وفي الوقت الذي تطلق فيه إسرائيل تهديدات بمهاجمة إيران، يؤكد قادة الجالية اليهودية في إيران أنهم يجرون اللقاءات مع المسئولين في إسرائيل لتخفيف الأجواء، ويقولون دائمًا: "نحن يهود، لكن هويتنا الوطنية إيرانية، نحن موالون لإيران وإسرائيل، ونأمل بشدة ألا تتعرض إسرائيل للهجوم"، والمدهش أن السفر من وإلى إيران وإسرائيل سهل للغاية بدون أي تعقيدات خلافًا للصراعات التي يتم تصديرها للإعلام.

وتقع مهمة التواصل الرسمي بين النظامين الإيراني والإسرائيلي على عاتق الحاخام الأكبر للجالية وحتى الآن وصل إلى هذا المنصب ثلاثة حاخامات هم الحاخام، أوريل داويدي سال، والذي كان بمثابة حلقة الوصل بين إيران وبين حاخامات اليهود داخل إسرائيل وأمريكا، وكان شخصية شديدة العداء للعرب والمسلمين وتولى المنصب في الفترة 1980 حتى 1994، وتولى بعد ذلك الحاخام يوسف حمداني كوهين، منذ عام 1994 شغل منصب قائد الجالية اليهودية في الجمهورية الإسلامية حتى وفاته في 2006، كانت تربطه علاقات وطيدة مع الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، أما الحاخام الحالي، ماشالاه جولستاني نجاد والذي تولى منذ عام 2007 وموجود بالمنصب حتى اللحظة.


"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية