رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رمضان في الحرب العالمية



في جريدة "الأهرام"، في آخر رمضان عام 1939، كتب الصحفي أحمد الصاوي محمد، مقالًا حول تزامن شهر رمضان المبارك مع ظروف الحرب العالمية الثانية، يقول فيه:


"دخل علينا رمضان هذا العام ـــ 1939 ـــ فأدركَنا في حالة احتياج شديد إليه، حتى الذين لم يتعوّدوا الصيام، وأظنهم صاموا هذا الشهر حتمًا؛ ذلك لأن العالم المخضب الآن بالدماء بحاجة إلى أن تتجه جميع قواه الروحية إلى الله، عز وجل، في ورع وابتهال حتى يرحم الله العالم ويلطف به.

جاء رمضان فلا يجد الكثيرين حول الكاس والطاس، فالناس، حتى أرباب اللهو والبطالة، قد شعروا أن النكبة التي أصابت بولونيا، وتصيب الآن أوروبا تلحق، ولو برذاذها، كل فرد منهم مهما يكن نائيًا بعيدًا.

فالدنيا مع تقسيم حدودها هي، في الواقع، وحدة مشتركة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
هلَّ رمضانُ الكريمُ على العالم الإسلامي، وقرب على الانتهاء، وقد انطفأ في بلدانه الكثير من النور، وحرم عديدون من الطعام الموفور، واستعد الألوف من أهله للويل والثبور وعظائم الأمور، وعلى ذلك فنحن نلقاه أشد ما نكون خشوعًا وتهيبًا من هذا الزمن العجيب الذي لا أمان له، ولا إيمان فيه.

نلقى رمضان أشد ما نكون اليوم إيمانا برسالته.. رسالة الزهد والتقشف والورع، رسالة البطون التي تأكل قليلًا، والنفوس التي تشعر كثيرًا، رسالة الألسن الجافة من الظمأ والقلوب العطشى إلى الخير والبر والإيثار.. رسالة التضحية بالقوت رحمة بالفقير وإنصافا لليتيم وابن السبيل، ورسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رسالة الصوم والصلاة والزكاة، رسالة المحبة الخالصة للناس من جميع الألوان وجميع الأديان.

فلنكن إذن في هذا الشهر الكريم مسلمين بكل ماتحمله كلمة الإسلام من جلال وجمال، إذا عشنا في مصابيح ساطعة فلنذكر الذين بقي سراجهم مطفأً.

وإذا ملأنا البطون فلنذكر الذين هم معدتهم خاوية، وإذا استعددنا للعيد فلنذكر الذين كل أيامهم صيام بغير عيد، ولنتجه إلى الله خاشعين ونحن في حالة الصوم والحرمان.. ليُشفى العالم من شهوات النهم والطمع والدم والطغيان، وليجيء علينا العيد وقد انتهت كل تلك المآسي التي مررنا بها منذ نشبت الحرب، وندعو الله أن تكون الحرب الأخيرة".
Advertisements
الجريدة الرسمية