رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد متولي الشعراوي: ليلة خير من ألف شهر


في جريدة "الاتحاد" الإماراتية، عام 1987، كتب الشيخ محمد متولي الشعراوي، مقالًا عن ليلة القدر، قال فيه:
"إذا تأملنا في الإنسان والزمان والمكان لوجدنا أن الله اصطفى آدم ونوحًا، وآل إبراهيم وآل عمران، على العالمين.

واصطفى من الأزمنة زمانًا كاصطفاء الله لليلة القدر، واصطفى من الأماكن: مكة، ومن المساجد المسجد الحرام، ومسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ولذلك يقول المصطفى، صلى الله عليه وسلم:
لا تُشَدُّ الرحالُ إلا لثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.

فعلًا اختيار الله للزمان والمكان والإنسان: هو عين الاصطفاء، فالميزة أتت من الاصطفاء، فليلة القدر أخذت عظمتها من نزول القرآن فيها، فهي عظيمة بذاتها، اصطفاها الله من قبل نزول القرآن.. هذا جائز، وهذا جائز!

ولكن نقول: ما هي ليلة القدر؟
هل التي نزل فيها القرآن، أو هي التي يُفْرَقُ فيها كل أمر حكيم، وما دام يفرق فيها كل أمر حكيم، فيكون اصطفاؤها قبل نزول القرآن فيها، وليس بسبب نزول القرآن فيها، ولكن تمام النعمة بنزول القرآن فيها، فكأن القرآن جعل ليلة القدر فائقة القدر، واصطفاء الله لها كان قبل نزول القرآن، لأن معنى قوله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"، أي ليلة التقدير لكل مقدور في الكون، وأعظم مقدور هو القرآن، فهو قمة المقدور.

ولتحديد هذه الليلة المباركة، وردت روايات عدة في تحديد ليلة القدر، فقد ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "اطلبوها في وتر العشر الأواخر من رمضان".

وعدم تحديد ليلة القدر، يقصد منه الحقُّ سبحانه وتعالى، إشاعة طلب الخير فيها، فكأنَّ الحقَّ يريد أن يعلمنا أن تميزها في أن نحييها، وإلا ستمر على الناس جميعا، والله، سبحانه وتعالى، يريد أن يشيع مراسم الإحياء في ليال أوسع.
وعدم تحديد ليلة القدر، لحكمة ربانية سامية، وهي ألَّا تأخذ صفة الرتابة، وإذا حددت فإن كل المسلمين، يتحرون هذه الليلة، المعينة، ولكن يريد إشاعتها في العشر الأواخر، ولأن ليلة القدر درة فريدة في رمضان، والباحث عن الدرِّ عليه أن يغوص في الأعماق، في قاع البحار.
والباحث عن ليلة القدر عليه أن يجتهد في زمانه المشاع في العشر الأواخر.
وبعض المستشرقين يقولون: إن هناك تضاربًا في الأحاديث التي تحدثت عن ليلة القدر، فالرسول مرة يقول: اطلبوها في وتر العشر الأواخر.. ومرة يقول: اطلبوها في شفع العشر الأواخر.
وأقول إن الشفع قد يكون وترًا، والوتر قد يكون شفعًا، بدليل أن شهر رمضان قد يكون كاملًا: "ثلاثون يومًا"، وقد يكون ناقصًا: "تسعة وعشرون يومًا".. فحينما يكون الشهر كاملًا يكون العدد وترًا من "21"، وحينما يكون الشهر ناقصًا يكون وترًا من "20"، فقد جعل الشفع في الناقص وترًا.
إذن فلا تضارب بين الحديثين، وهذا يدل على أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، استخبر غيبًا بالشهر إن كان ناقصًا أو كاملًا.
فإن كان ناقصًا قال: التمسوها في شفع العشر الأواخر، وإن كان كاملًا قال: التمسوها في وتر العشر الأواخر.
مسألة يرددها البعض: هل رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة القدر؟ وهل رآها أحد من الصالحين على حقيقتها؟
قالوا إن أحدًا من خلق الله لم ير ليلة القدر إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتلك من الخصوصيات التي خص الله بها رسوله، بعد ذلك رآها بعض الناس، والذين رأوها قالوا لرسول الله رأوها رؤيا منامية، كما قال: رأيت كأني أسجد في ماء وفيض، فلما أصبح صباح ليلة الثالث والعشرين وجدوا المسجد طول الليل: السماء أمطرت، وسجد رسول الله حتى بان ذلك في جبهته وفي يديه، ومن هنا نعلم أن ليلة القدر كانت في ذلك العام في تلك الليلة.

حديث آخر ثبت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو أنه خرج، صلى الله عليه وسلم، على أصحابه وهم في المسجد، فوجد قوما يتشاحنون، فقال: كنت جئتكم لأخبركم بليلة القدر، ألا وأنه قد تلاحم فلان وفلان، وعيَّنَهما، فرُفعت، التمسوها في العشر الأواخر.. ولو أنها رُفعت على مدلول من قال لما التمسناها في العشر الأواخر، وإنما الذي رُفِعَ هو تحديدها في ليلة خاصة".
Advertisements
الجريدة الرسمية