رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مديحة يسري تكتب: ذكرياتي في "الغورية"


في مجلة "الكواكب"، عام 1977، كتبت الفنانة مديحة يسري، "ولدت عام 1921، ورحلت في رمضان، الموافق 30 مايو 2018"، عن بعضٍ من ذكرياتها في شهر رمضان، قالت:


"لرمضان مذاقٌ خاصٌّ بالنسبة لي، ودائمًا ما أرجع إلى الماضي، خاصةً في شهر رمضان، وقد دفعتني قدماي بعد الإفطار، في رمضان، إلى حي الغورية، للتمتع بشكل الشوارع بعد الإفطار، ولشراء بعض طلبات تخصني، وما كادت قدماي تطآن الحي حتى عادت إلى ذاكرتي بعض حوادث الطفولة والصبا حين كنا نسكن شارع الأزهر.

وجدتُ نفسي أقفُ أمام دكان صغير لبائع بسبوسة، وكان هذا الدكان قبل ذلك محلًا لصائغٍ كنا نتعامل معه.. وكان والدي يعطيني مصروفًا كنت أدخر منه، وأشتري الحلي التي تعجبني.

وخطوت بضع خطوات، ووقفت أمام دكان آخر كان يشغله تاجر أقمشة رأس ماله كان لا يزيد عن عشرين جنيهًا، كان يبيع لسكان الحي بالتقسيط، وكان يعلم الأحوال المالية لكل سكان الحي، وكوَّن ثروة معقولة، فانتقل إلى حي راقٍ، وتبرع بالأقمشة التي يمتلكها إلى سكان الحي، وأغلق محله.

وعلى بعد خطوات رأيت بقايا بيت متهدم.. كان بيتُ أسرةٍ كبيرةٍ من عائلات الغورية، وكان أفرادُها من رجال التجارة، وكانَ ربُّ الأسرة محسنًا كبيرًا يفتح أبوابَ بيته لكل سائل في شهر رمضان الكريم، حتى اشتهر برجل البر والإحسان يؤم بيته كل أفراد الحي، يسهرون في السرادق الذي يقيمه في رمضان بحوش البيت، حيث الإنشاد الديني، وتلاوة القرآن الكريم، وتنتهي السهرة بطعام السحور.. دفعني الفضول إلى أن أسأل عن أصحاب البيت، فروى لي أحد الجيران، وهو يمسح دموعه، أن رب الأسرة مات، وبدد أبناؤه الثروة عن آخرها على ملذاتهم، وتنكروا لتقاليد أسرتهم في رمضان، فأهملوا التجارة، حتى أفلسوا جميعًا، وباعوا البيت الكبير، وكل ما يملكون وفاءً للديون، فانهمرت من عيني الدموع.
Advertisements
الجريدة الرسمية