رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

على الطنطاوي يكتب: مزعجات رمضان


في جريدة "صوت الأزهر"، عام 1972، كتب الشيخ السوري الأديب على الطنطاوي، حول التصرفات والسلوكيات المزعجة في رمضان، قائلًا:

"لست أعني بالمزعجات، أولًا، الجوع أو العطش أو اضطراب ميزان اليقظة والمنام.. فذلك شيء لابد منه، ولولاه لم يكن لشهر رمضان معنى.


ولكني أعني هنا مزعجات الناس، والشطر الأول لهذا الإزعاج من الإذاعة، والشطر الثاني من الناس.

انزعاج يستمر من الصباح إلى المساء، ولا ينقطع لحظة واحدة نريح فيها أنفسنا، ونستطيع أن نستجلي فيها طلعة رمضان، ونحس بوجوده.

ورمضان أجمل مرحلة، وأجمل توقيت في طريق الزمان.. يمر فيها ركب الإنسانية على الروض الأنيق فيرى المشهد البارع، ويشم العطر العبق، ويسمع صدح البلابل، وهديل الحمام، ومايرقص من الطرب القلوب.

إنه شهر التأمل والعبادة ولذة الروح وأنس القلب، لكنكم لا تتركون لي لحظة واحدة أستمتع فيها بهذا التأمل، وذهلة الحلم ونشوة المناجاة.

أما الإذاعة فلا تسكت من صباح الله الباكر إلى نصف الليل، ولا تستريح ولا تريح، ولا يكف لسانها دقيقة واحدة، إلا أنها لو كانت تذيع ما يعين على الخشوع والعبادة في رمضان لهان الخطبُ، لكنها تذيع الأغاني التي أجمعت كلمة الأنس والجن على استنكار أكثرها.

أما الناس فإزعاجهم أكبر وأنكر، فيمكنني أن أسد أذني عما تذيع الإذاعة، ولكن ماذا أصنع بمن لا يطرب إلا إن أشرك معه بسماع الأغنية مائة جار وجار، فكيف ننام وكيف نشتغل؟!، وكيف نخلص التوجه إلى الله، وفى كل جهة حولنا المصائب الثقال والضجة المروعة وفريد الأطرش هذا، والعياذ بالله عبد الحليم حافظ ؟!.

فإذا سكت الراديو في الثانية عشرة، وحاولت أن تنام، لم تمر نصف ساعة حتى يجيء أبو طبلة المسحراتي.. هذه آلافة التي لا دافع لها.

المسحر ــــ ياعباد الله قوموا تسحروا ــــ الذي ضاقت به الصناعات والمهن فلم يجد له صنعة إلا أن يحمل طبلًا، ويأتي منتصف الليل ليقرع بها رأسك ويوقظك من منامك.

وأعجب العجب أن يعترف المجتمع بصنعة المسحراتي، ويعدها من الصناعات المقررة.

أنا أفهم أن يكون للمسحراتي موضع في الماضي، أما اليوم ففي كل بيت ساعة، وفي كل حي منارة عليها مؤذن، وفي البلد يوجد مدفع يوقظ صوته أهل المقابر، فليس للمسحر موضع فينا.

فإذا انقضى السحور، وأردت أن تنام عادت أختنا الإذاعة إلى "وراك وراك"، و"يابياع الورد"، وعاد الجيران إلى تضييق الجو بهذه الأصوات؛ بياع الحليب، وبياع الفول ومصلح البوابير وبياع المهملات، وزلزلت الأرض بأبواق السيارات، وصراخ الأولاد.

فإذا هربت إلى المسجد لتأخذ منه موعظة أو تسمع دراسات وأحاديث، رأيت النائمين مصفوفين بالطول والعرض يشخرون وينفسون من كل منفذ، وحلقات المتحدثين يضحكون ويمزحون ويغتابون ويكذبون.

ووجدت العوام يدرسون بلا رخصة ولا إذن؛ لأن العلماء غائبون، ولم تجد في المسجد شيئًا مما يجب أن يكون فيه.

وإذا سرت في الشوارع رأيت المطاعم مفتوحة والمفطرين في كل مكان، وركب أمامك في الترام من يدخن وينفخ الدخان في وجهك مع أن القانون والعرف يمنعان التدخين في المواصلات، وبالأخص الترام، الوسيلة الشعبية.

والذوق ـــ إن لم نقل الدين ــــ يمنع إعلان الفطر في رمضان، في البلد المسلم، أليس هناك مزعجات أفظع من ذلك في الشهر الكريم المفترض فيه التقى والورع؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية