رئيس التحرير
عصام كامل

عاشوا في مصر (8)


مصر.. كنانة الله في أرضه.. منذ ما قبل التاريخ اتسع صدرها لمن ضاقت عنه كل دول العالم، واحتوت كل الطوائف، وشهدت أرضها نزول الديانات السماوية، وزارها غالب أنبياء الله.. تاريخها سبق تاريخ كل الأمم... إنها "أم الدنيا"، و"المحروسة".. من بين من عاشوا بها، رموز غيرت وجه التاريخ، نروي هنا بعضًا من تفاصيل حياتهم، ونستعرض شيئًا من جوانب عظمتهم.


المصريون والوافدون الجدد
وكانت القبائل العربية، الوافدة من شبه الجزيرة، تقل كلما زاد الاتجاه نحو الشمال أو الجنوب، في حين تتركز حول الفسطاط شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فيما يشبه الدائرة.

وهكذا بدأ الاختلاط بين المصريين والوافدين الجدد من العرب، أو بدء تعريب مصر، حيث تركت بعض القبائل الفسطاط تماما، وذابت بين السكان الأصليين.. وحدث التزاوج بين العرب والمصريين، وكان مقبولا أن يتزوج العربي من مصرية، وليس العكس.. فقد كان هناك مثل سائد: "العربي يفضل أن يأكل ابنته التمساح، ولا يأخذها الفلاح"!

وفي الإسكندرية؛ كانت القوات العربية المرابطة تعتبر من عوامل اختلاط العرب بالمصريين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذه القوات لم تكن تتخذ معسكرا خاصا لها كالفسطاط، وإنما كانت تقيم طوال فترة الرباط في مساكن الأهالي العادية، وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه.

وكان لتلك الأعداد الهائلة من الجنود العرب أثر هام في تعريب الإسكندرية وغيرها من الثغور، مثل رشيد وأخنا والبراس، والأشتوم، ودمياط.

وكان هناك شرط ورد في نص الصلح الذي عقده عمرو مع المصريين من أن "للمسلمين عليهم النُّزُل لجماعتهم حيث نزلوا، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم".

وهكذا كان للعرب أفرادا وجماعات الحق في أن ينزلوا ضيوفا على المصريين لمدة أقصاها – نظريا – ثلاثة أيام، يتمتعون في أثنائها بكل ما يجب للضيف من حقوق الضيافة. وكان لهذا الاتصال أثره في تقارب العرب والمصريين. كما اعتمد العرب على المصريين اعتمادا شبه كامل في أمور بعينها، كأعمال الديوان، والطب، ومسح الأراضي، وأعمال الزراعة، وبناء البيوت، وبناء السفن، وصناعة الأقمشة، وغيرها...

وفي البداية حرم "عمر بن الخطاب" على العرب الاشتغال بالزراعة أو امتلاك الأراضي، فلم يكونوا يشتغلون بغير السياسة والحكم والحرب. باستثناء قبيلة "قيس"، التي جاءت إلى مصر عام 109 هـ / 727 م بشرط ممارستها لمهنة الزراعة. وفي زمن الخليفة "هشام بن عبدالملك"، أخذ العرب يتخلون عن السياسة التي اتبعوها منذ الفتح، وهي الترفع عن الاختلاط بالأهالي، وعن الاشتغال بالزراعة.

وربما قصد "هشام" بالسماح للقبائل بالانتقال لمصر، والاشتغال بالزراعة أن يتقوى المسلمون بالعرب ضد الأقباط الذين بدءوا ثوراتهم، أو أن يحل العرب محل من يموت من الأقباط في هذه الثورات، أو من يهجر أرضه، وذلك حتى لا يصيب الزراعة ضرر.

وجاء إسقاط العرب من ديوان الأعطيات عام 218 هـ / 823 م، في زمن المعتصم، ليجبرهم على احتراف الزراعة والتجارة والصناعة، وغيرها من المهن التي كانت حتى ذلك الوقت وقفا على المصريين. كما اضطروا إلى الانتشار في الريف والاختلاط بالمصريين والتزاوج من بناتهم، وأيضًا تزويج المصريين من بناتهم.

الجريدة الرسمية