رئيس التحرير
عصام كامل

المتهمون بـ«تطفيش» الأطباء.. الحوافز.. معدلات الخطورة.. والمرتبات أبرزها.. و130 ألف طبيب اختاروا «الغربة».. «البهنسي»: نعاني نقصا في «أطباء الطوارئ».. و«ال


الإحصائيات الحديثة والأرقام المتاحة تشير إلى أن مصر تعاني من أزمة «نقص أطباء»، وهو ما أكدته أيضا تصريحات قيادات وزارة الصحة ونقابة الأطباء، ويتضح هنا أن العجز ليس فقط في أعداد الأطباء البشريين إجمالا بل في التخصصات الطبية المختلفة فنجد إقبالا من شباب الخريجين على تخصصات بعينها والابتعاد عن تخصصات أخرى.


النساء والتوليد
على سبيل المثال يعتبر «النساء والتوليد» التخصص الذي يشهد زيادة في أعداد الأطباء المتخصصين فيه، حيث بلغ العدد الفعلي للعاملين فيه أكثر من 6 آلاف طبيب نساء داخل مستشفيات وزارة الصحة فقط بخلاف الجامعات والمراكز الطبية الخاصة والمسافرين للخارج، وكذلك «طب الأطفال» الذي يضم ما يزيد على 5 آلاف طبيب، وفي المرتبة الثالثة يأتي تخصص الباطنة والجلدية والجراحة العامة أكثر من 3 آلاف طبيب يليهم العظام والرمد والأشعة ثم يظهر العجز الواضح في تخصصات طب الطوارئ فمثلا يوجد 400 طبيب فقط، كذلك جراحات القلب والصدر والمخ والأعصاب لا يتعدى عددهم 200 طبيب وعلاج الأورام والوراثة والطب النووي لا يتعدى 100 طبيب ثم طب المسنين 7 أطباء فقط.

عدالة التوزيع
التباين والاختلاف ظهر جليا في عدم وجود عدالة توزيع في التخصصات الطبية، ويرجع ذلك لأسباب عدة، في مقدمتها الحوافز المادية ومعدلات خطورة كل تخصص، إلى جانب صعوبة الدراسة دون تقدير مادي، وذلك حسب شهادات عدد من الأطباء.

وفي هذا السياق أكد الدكتور عبد العال محمد البهنسي، مؤسس المبادرة المصرية الوطنية لإصلاح القطاع الصحي أن «من أهم التحديات التي تواجه تقديم الخدمة الطبية في الوقت الحالي وفي المستقبل لتطبيق التأمين الصحي الشامل ندرة بعض التخصصات الطبية التي لا تستقيم ولا تكتمل الخدمة الطبية دونها.

الطوارئ
على سبيل المثال هناك عجز فادح في عدد أطباء الطوارئ في مصر، وفشلت وزارة الصحة حتى الآن في توفيق أوضاع أقسام الطوارئ على مستوى الجمهورية، سواء من حيث نظام التشغيل أو القوى البشرية من أطباء وتمريض الطوارئ، إلى جانب العمل على ربط منظومة الطوارئ بالإسعاف وميكنة جميع أقسام الطوارئ وربطها ببعضها البعض.

وأضاف: الوضع ذاته في الطوارئ ينطبق على تخصص العناية المركزة الذي اقترب هو الآخر من الانقراض نتيجة هجرة الأطباء للخارج بحثا عن بيئة العمل المناسبة من حيث عدد ساعات العمل والراتب المحترم وتوافر الإمكانيات وبيئة العمل المناسبة التي تمكن الطبيب من القيام بعمله على أكمل وجه.

وتابع: بنظرة دقيقة في إحصائيات الأطباء في مصر نجد أن المسجلين بنقابة الأطباء أكثر من 230 ألف طبيب في مختلف التخصصات الطبية وهذا العدد يزيد سنويا بمقدار من 9000 إلى 10000 طبيب حديث التخرج، ونجد أن هناك تخصصات طبية مكتظة بالأطباء مثل الباطنة العامة والجراحة والنساء والولادة والأطفال والعظام، وتخصصات أخرى تعاني من عجز فادح مثل العناية المركزة والطوارئ وجراحة العيون وجراحة المخ والأعصاب وجراحة القلب والصدر، وهذا نتيجة انعدام التخطيط الصحي منذ أكثر من 30 عاما، وترك اختيارات الأطباء تتم بعشوائية دون النظر إلى حاجة سوق العمل.

إضافة إلى أنه يوجد ما لا يقل عن 130 ألف طبيب خارج مصر ونحو نصف هذا العدد تقريبا يعمل بالمملكة العربية السعودية، وعدد الأطباء العاملين بوزارة الصحة المصرية لا يزيد على 45 ألف طبيب في شتى التخصصات والعدد في تناقص مستمر نتيجة الإقبال على الإجازات للعمل في الخارج، وهو ما دفع الدولة إلى وقف أو تقنين وتحديد مدة الإجازة دون راتب إلى 4 سنوات فقط، لكن نتيجة ذلك تزايدت معدلات الاستقالات وارتفعت مؤشرات العجز الفادح مما دفع وزارة الصحة مؤخرًا للإعلان عن احتياج مستشفيات كبرى بقلب العاصمة القاهرة أطباء في تخصصات الطوارئ والعناية المركزة برواتب عالية نسبيا مقارنة برواتب الأطباء الدائمين بالوزارة في نفس التخصصات وهذا الإعلان يعتبر ناقوس الخطر لما هو آت».

الخدمات الطبية
كما أكد «د. البهنسي» أنه في زيارته الأخيرة لدولة غانا للمشاركة في البعثات الصحية لوزارة الخارجية المصرية للدول الأفريقية، أشاد بتعاملها مع النظام الصحي ومع الأطباء تحديدا، وقالت: «الطبيب الغاني يحصل على مميزات كبيرة من أجل البقاء في وزارة الصحة لضمان تقديم الخدمة الطبية، منها على سبيل الحصر مرتب الطبيب الأعلى في ميزان الأجور والمرتبات داخل الدولة، كما يحصل الطبيب على شقة من الدولة من أول يوم عمل، ويتم صرف بونات للبنزين لكل طبيب من أجل التيسير عليه للذهاب إلى المستشفى الذي يعمل به، كما يتم ابتعاث الأطباء إلى إنجلترا للتدريب على أن يعود لمقر عمله مرة أخرى ليقدم الخدمة الطبية التي تعلمها في الخارج».

سيناريوهات مصر
وحول السيناريوهات الممكن تطبيقها في مصر للخروج من هذه الأزمة قال مؤسس المبادرة المصرية الوطنية لإصلاح القطاع الصحي: الخروج من هذه الأزمة يكمن في تحسين بيئة العمل وتقديم مزايا للأطباء للبقاء داخل مصر وتحسين أحوالهم المادية كجزء من الأمن القومي للبلاد، بدلا من أن ندفع أموالًا باهظة في توفير الخدمة الطبية بوسائل أخرى، مع العمل على وضع مزايا أكبر للمحافظات الحدودية، وتشجيع الأطباء على الانضمام إلى التخصصات النادرة مثل الطوارئ والعناية المركزة والتخدير والأشعة وجراحات المخ والأعصاب والقلب والصدر، بعد تحسين بيئة العمل المناسبة، ولا بد لوزارة الصحة الاستثمار الجيد في القوى البشرية التي تمتلكها بدلا من إهدارها والتفريط فيها.

تفاوت
بدوره قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء: من الطبيعي وجود تفاوت في أعداد الأطباء بالتخصصات الطبية، فمثلا يزيد العدد في النساء والتوليد والأطفال لكثرة أعداد المرضى، بينما يقل في جراحات القلب والمخ والأعصاب لقلة أعداد المرضى.

كما أشار إلى أن هناك أسبابا أخرى تبرر العجز منها أن التخصصات الدقيقة أكثر تعقيدا في دراستها وتحتاج إلى جهد أكبر والعائد المالي قليل لا يناسبها، مشددًا على «أهمية العمل على إصلاح العجز من خلال زيادة حوافز والمخصصات المالية الأطباء في التخصصات النادرة لجذبهم إليها، فمثلا أطباء الطوارئ عددهم الفعلي قليل ونحتاج لزيادة أعدادهم، مع الأخذ في الاعتبار أن يبذلون جهدا كبيرا وطبيعة عملهم خطرة، ويتعرضون لاتهامات متعددة وقضايا وأحيانا سجن فلماذا يقبل الطبيب الشاب على التخصص فيه ودراسته».

كما طالب بضرورة تقليل معدل الخطورة غير العلمية عليهم فهم أطباء ينقذون مرضى من الموت ويمكن أن يتوفى المريض بسبب حالته وليس بسبب الطبيب ويحاسب الطبيب على ذلك فلا يوجد قانون يضمن المحاسبة الطبية العادلة لهم ويتم التعامل مع الطبيب المصري بمبدأ «الشاطرة تغزل برجل حمار» في ظل ضعف الإمكانيات ولا يمكن ذلك في الطب، وأكمل: بعض التخصصات منها الطوارئ لديهم حوافز مرتفعة 400% من الراتب ولا تساوي 1000 جنيه ويتعذبون في صرفها شهريا ويظهر لهم مشكلات إدارية في صرفها وهو ليس مبلغ مغر بالنسبة للطبيب، وأساسي رواتب الأطباء العاملين في وزارة الصحة ثابت ولا يختلف باختلاف التخصص بل تزيد الحوافز فقط.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية