رئيس التحرير
عصام كامل

التفاصيل الكاملة لأزمة الوضع الأوزيري لتمثال رمسيس الثاني بمعبد الأقصر.. أثريون يكشفون مخالفة هيئة ملك مصر للحقيقة.. الآثار ترد بالأسانيد والأدلة.. وإعادة تغطيته لاستكمال ترميمه

فيتو

سادت حالة من اللغط والجدل خلال الأيام الماضية حول وضعية تمثال الملك رمسيس الثاني بواجهة معبد الأقصر «الوضع الأوزيري» أي يعقد يديه فوق صدره؛ فهناك فريق من أساتذة الآثار يرى أنها خاطئة، وجاء التشكيك استنادًا إلى المنظر المنقوش على الجدار الجنوبي الغربي لفناء الملك رمسيس الثاني، والذي يوضح وجود 6 تماثيل، اثنان منها في هيئة الجلوس، وأربعة في هيئة الوقوف ذات قدم يسرى متقدمة، كما أن عملية ترميمه بعد تجميعه لم تنال استحسان الكثيرين.


«فيتو» حققت في الموضوع للوقوف على دلائل صحة أسانيد كل فريق في التقرير التالي.

تقديم الساق
وفي البداية يقول ميسرة عبد الله، أستاذ الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة، إنه من الناحية العلمية البحتة؛ فإن من قواعد نحت التماثيل في الهيئة الأوزيرية أن التمثال الأوزيري لا يقدم ساقه اليسرى مطلقا، ولذلك فأن الساقين لا تخص هذا التمثال بل هي لتمثال آخر، مشيرا إلى أن الاعتماد فقط على نقش واجهة المعبد بالفناء الأول خطأ غير دقيق، حيث نقش هذا المنظر بنهاية العام الخامس من حكم رمسيس الثاني ولذلك فقد حدثت تغيرات وتعديلات كثيرة بعده على واجهة المعبد يكون من الصعب الحكم عليها حاليا فيما يتعلق بالتماثيل التي ظلت منتصبة أمام الصرح ولذلك فالنقش ليس بالدليل الكافي للحكم على الشكل النهائي للواجهة.

الهيئة الأوزيرية
وأوضح أن الهيئة الأوزيرية لا تخص المعابد الجنائزية أو أمور الجنازة، كما هو شائع ولكنها تعبر عن هيئة الخشوع في حضرة الإله داخل المعبد وعلى جنبات الممرات المقدسة به.

ومن جانبه قال الأثري أحمد صالح: إن صرح معبد الأقصر يمثل المدخل الرئيسي للمعبد وقبل ثلاث سنوات الصرح لم يكن أمامه غير تمثالين جالسين للملك رمسيس الثاني ومسلة واحدة لأن المسلة الثانية موجودة في ميدان الكونكورد في فرنسا، مشيرا إلى أنه منذ ثلاث سنوات شرع المسؤولون في إكمال الواجهة، كما كانت في عهد رمسيس الثاني، وكان من الطبيعي أن يتم إجراء دراسة للموضوع، وتشكل لجنة من علماء الآثار لدراسة بقايا التماثيل الموجودة وكيفية تركيبها وترميمها، وهل هي كانت موجودة في الواجهة أم لا ولكن هذا لم يحدث.

وأكد أن رمسيس الثاني صور واجهة معبد الأقصر في الركن الجنوبي الغربي من الفناء الأول، والصورة كانت واضحة وكافية لعمل تصور لشكل الواجهة، مشيرا إلى أن الواجهة كما صورت في عصر رمسيس يوجد أمامها أربعة تماثيل واقفة تصور رمسيس الثاني واقفا، ويضع التاج المزدوج فوق غطاء الشعر ويديه بجوار جسده ويحرك ساقه اليسرى وكل تمثال موجود على قاعدة، وهناك تمثالان جالسان عليهما التاج المزدوج وغطاء الشعر ويضع يديه على ركبتيه، كما توجد مسلتان إذا فالصورة التي رسمت في عصر رمسيس الثاني واضحة ولا تحتاج لأي فتوى.

وأوضح أن التمثال الموجود بأقصى اليمين من واجهة المعبد ليس من عصر رمسيس الثاني والتمثال القائم في أقصى الشمال في وضع لا يتناسب مع الواجهة لأنه اسمه تمثال أوزيري، وأوزيري يعني يداه متقاطعتان مع الصدر وساقاه مضمومتان، وذلك حسب تفسيره.

مشكلات الترميم
أما الدكتور رمضان عبد المعتمد، الأستاذ المساعد بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، يرى أنه من خلال معاينته للتمثال وجد أن الأجزاء الأصلية المتبقية من العمل قليلة جدا وترتقي إلى نسبة ٢٠٪ من إجمالي العمل الذي استكمل بنسبة ٨٠٪ وهذا ما يعني خطورة إدراك وامتلاك العمل من ناحية معالجته الفنية ويصعب من نجاح عملية الترميم والصيانة للأثر.

وأضاف: «وبالنسبة للمعالجة التشكيلية وأعمال الترميم في جزء الاستكمال والذي يرتقي إلى نسبة ٨٠ ٪ من حجم التمثال، فجاءت ركيكة وضعيفة ويملؤها الوهن، وذلك لأنها وضعت بجوار أعمال تجعل المتلقي غير الدارس ينتقدها بكل يسر، ويتضح ذلك في معالجة وضعية الأيدى والصولجان حيث أصيبت الأيدى بالعطب، إلى جانب خلع ونحافة منطقة العضد من الكتف من ناحية الجانب الأيمن للتمثال، وكما قصر عضد اليد اليسرى للتمثال والذي أيضا يؤكد لنا عدم إدراك أصحاب مشروع ترميم التمثال لمفهوم التماثل والتي تميزت به الوضعية الأوزيرية».

وردت وزارة الآثار على الجدل حول تمثال الملك رمسيس الثاني، مؤكدة أنه يوجد منظر منقوش في خلفية الصرح الأول للملك رمسيس الثاني يوضح شكل الصرح الأول يتقدمه تمثالان جالسان ومسلتان فقط.

وأوضحت الوزارة أن هذا المنظر الذي تم نقشه بالنقش الغائر يرجع لعصر الملك رمسيس الثاني، وكان يوضح شكل واجهة المعبد خلال فترة حكم الملك رمسيس الثاني، ويتطابق أسلوب النقش لهذا المنظر مع كل نقوش ومناظر الصرح، بما يؤكد تأريخه لعصر الملك رمسيس الثاني، أما المنظر المنقوش على الجدار الجنوبي الغربي لفناء الملك رمسيس الثاني، فإنه يوضح شكل الصرح الأول يتقدمه تمثالان جالسان، وأربعة تماثيل واقفة مقدمة القدم اليسرى بالإضافة إلى المسلتين.

وأشارت الوزارة إلى أن المنظر الذي تم نقشه بالنقش المحدد (حفر الخطوط الخارجية لعناصر المنظر) يخالف في أسلوبه باقي النقوش الغائرة المجاورة له في نفس الجدران، ويرجع هذا النقش إلى عصر تال للملك رمسيس الثاني، وبالتالي تعتبر التماثيل الأربعة الواقفة إضافة للصرح والتماثيل الجالسة في عصر بعد رمسيس الثاني (ربما أحد الرعامسة).

وفيما يخص التمثال الذي تم إقامته مؤخرًا، فقد تم العثور على قاعدته في مكانها الذي أقيمت فيه بواسطة الدكتور محمد عبد القادر عام 1958 وبها بقايا القدمين المتجاورتين، بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا التمثال له وضع مختلف عن أقرانه، كما تم العثور على باقي أجزائه في نفس موقع متهشمه بجوار قاعدته، وهو ما يؤكد إقامة هذا التمثال في هذا المكان.

أسانيد البعثة الأمريكية
وكشف الدكتور راي جونسون، رئيس البعثة الأمريكية بالأقصر التابعة لجامعة شيكاغو، أن النقوش الموجودة في نهاية الفناء المفتوح الأول بمعبد الأقصر والتي تمثل واجهة المعبد المكونة من الصرح والمسلَّتَيْن وصواري الأعلام والتماثيل، تم نحتها قبل وضع التماثيل في أماكنها، وتعكس التخطيط الأصلي الذي لم يكتمل كلية أبدًا.

وقال رئيس البعثة الأمريكية بالأقصر: إنه يبدو من التخطيط الأصلي للصرح أن التماثيل الضخمة المنحوتة من الجرانوديوريت للملك رمسيس الثاني تصوره إما في الوضع جالسًا أو واقفًا في الوضع سائرًا، ولكن لسبب ما فقد تم تغيير هذه الخطة، فتم جلب تمثالين سابقين من الجرانيت الأحمر وتم نقش اسم الملك رمسيس الثاني عليهما، أحدهما على أقصى الجانب الأيمن والآخر على أقصى الجانب الأيسر وكان التمثال الضخم على أقصى الجانب الغربي (الواقف حاليًا ومنذ سنوات طويلة)، في الأصل للملك أمنحتب الثالث، وهو مختلف أيضًا، لأن على رأسه التاج الأبيض، وليس التاج المزدوج، وهو أيضًا منحوت من الجرانيت الأحمر.

وأضاف «جونسون»: «أما التمثال الضخم على أقصى الجانب الشرقي المنحوت من الجرانيت الأحمر – والذي تم إعادة إقامته منذ بضعة أيام بدعم مادي من مؤسسة "شيكاغو هاوس Chicago House" والسفارة الأمريكية – فهو عبارة عن تمثال ضخم من أواخر الأسرة الثامنة عشرة، ربما لحور محب (وتم إعادة نحت الوجه)، وتدل الأجزاء الباقية من التمثال على أنه كان في الهيئة الأوزيرية، وتعد القاعدة الأصلية للتمثال والموجودة بمكانها الأصلي صغيرة الحجم جدًا لتسع تمثالًا في الوضع سائرًا، والذي يؤكد أن التمثال كان في الوضع واقفًا وليس في الوضع سائرًا، لذا فإن إعادة البناء والوضع الأصلي للتمثال صحيحان 100%».

استكمال الترميم
وأوضح أحمد العربي، مدير معبد الأقصر، أن وضع تمثال رمسيس الثاني بواجهة معبد الأقصر الذي أثير بشأنه الجدل خلال الأيام الماضية، صحيح بنسبة 100%، مؤكدا أن السبب الرئيسي في تغطية التمثال مرة أخرى بعد إزاحة الستار عنه هو استكمال عملية الترميم التي لم تنته بنسبة 100٪.

وأكد «العربي» لـ«فيتو» أن التمثال بالوضع الأوزيري في المكان الصحيح، وتابع أن هناك ما يثبت أن التمثال يتوجب أن يكون بالوضع الأوزيري، وليس بالوضع «العسكري»، مثل بقية التماثيل، وذلك لأن هناك لوحة أقدم من اللوحة التي يستند عليها البعض لتصميم المعبد، مضيفا أن اللوحة القديمة وفقا لما أعلنته دراسات الدكتور محمد عبد القادر، والتي نشرت عام 1958، توضح أن التمثال بالوضع الأوزيري، وليس العسكري.

وأضاف مدير معبد الأقصر، أن عملية الترميم الخاصة بالتمثال، هي عمليات بسيطة تتمثل في تصليح الذراع الخاصة بالتمثال، وإزالة الزيادات، بالإضافة إلى تحسين شكل القدم الخاصة بالتمثال، والتأكد من سلامة الألوان الخاصة به.
الجريدة الرسمية