رئيس التحرير
عصام كامل

معاناة مرضى «التوحد» في الأماكن العامة.. أمن مول يطرد مصابا: «ده ميدخلش».. تجريس خالد في الشارع: «المجنون أهو».. ومحاولة إخراج أسرة «أمين» من النادي عنوة الأبرز

فيتو

«التوحد» من الأمراض النفسية التي لم يكتشف لها علاج حتى الآن، فهو اضطراب في النمو العصبي للطفل، وتظهر أعراضه بعد الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل، مما يؤثر على قدرته على التواصل مع الآخرين، وحسب آخر إحصائية لـمنظمة الصحة العالمية WHO فإن طفلًا واحدًا من بين كل 160 طفلًا سيكون عرضة للإصابة بطيف من أطياف التوحد.


طرد المول
يواجه مرضى التوحد مشكلات كثيرة جدا في الأماكن العامة، خاصة أن مرضهم صعب التعرف عليه من قبل المحيطين، فبين الحين والآخر نجد وقائع لمصابين بالتوحد يعانون من مشكلات في الشارع وتعامل الناس معهم، كان آخرهم طرد مسئولى أمن أحد المولات الشهيرة مريضا بالتوحد، وعرضت مشكلته "رالا عبد الوهاب" شقيقته.

وقالت في مداخلة هاتفية لبرنامج «يحدث في مصر» المذاع على فضائية «إم بى سى مصر» تقديم الإعلامي شريف عامر: «شقيقى ماجد كان بصحبة والدتى أثناء دخولها أحد المولات التجارية الشهيرة، وفوجئت والدته بأفراد الأمن يمنعونه من الدخول، وقالوا لها: (ده ميدخلش)».

وتابعت قائلة إنها أرسلت رسالة لإدارة المول الشهير عن واقعة طرد شقيقها مريض التوحد ولكنها لم ترد، موضحة أنه بعد نشر الواقعة في وسائل الإعلام تلقت اتصالا هاتفيا من إدارة المول، ووجهت لها الدعوة لقضاء يوم كامل مجانا داخل المول ولكنها رفضت ذلك، مؤكدة: «لن أترك حق شقيقي».

أزمة شارع
معاناة أخرى لأحد من ذوي الإعاقة المصابين بالتوحد مع المارة في الشارع والمواطنين في الأماكن العامة، سردتها أم «خالد» أحد المصابين بالمرض، حيث قالت: نجلي عانى بسبب غياب الثقافة المجتمعية للتعامل مع تلك الفئة من المرضى، ففي أحد الأيام دخلت محل في أحد الأماكن الشعبية لشراء احتياجاتي الخاصة وتركت نجلي في الخارج ارتطم بأحد المارة فدفعه بشدة وسقط على رجل آخر فاعتدى عليه لفظيا وسبه بأبشع الشتائم، فلم ينطق نجلي لأنه مصاب بتوحد شديد.

وقالت: نجلي يعاني من الإفراط في الحركة الشديدة والمكررة، فلم يستطيع التحكم في حركته، وبدأ يردد ما أشبه بالكلمات غير المفهومة والصراخ، فأخذ الأطفال يشاورون عليه ويهللون: "المجنون أهو"، فخرجت مسرعة من المحل وأخذته بعيدا عن المارة حتى لا تنجرح مشاعره أكثر من ذلك، هذا الموقف يعتبر نقطة في بحر ما يتكرر بشكل يومي لمعاناة مرضى التوحد في الشوارع.

ومن هنا قررت أم خالد عدم ترك نجلها يسير بمفرده في الشارع، خاصة أن الأطفال وأصحاب النفوس الضعيفة يعلمون حقيقة مرضه ويسبونه في الشارع بالألفاظ الخارجة، ويطلقون عليه أسماء غير لائقة، فأصبح أضحوكة الأطفال في الشارع، لذلك قررت عدم تركه يسير بمفرده في أي مكان وتصاحبه أينما ذهب.

أم محمد أمين
الصورة الكاملة لمصابي التوحد في الشارع أوضحتها أكثر والدة محمد أمين أحد حاملي المرض، حيث قالت لا يعلم معظم المواطنين أن مرض التوحد به درجات، فهناك سمة الداون والإعاقة الذهنية الواضحة والصريحة، وأيضا هناك أشخاص يبدو عليهم أنهم طبيعيون ولكنهم يعانون من مرض التوحد.

وأكدت والدة محمد أن عدم ظهور الأعراض الكاملة عليهم تجعل المواطنين يجهلون التعامل معه على أنه معاق عندما يصدر عنهم مواقف غريبة فجأة في الأماكن العامة، ففي أحد المرات ركبت مع نجلها مترو الأنفاق أصدر أصواتا غريبة خاصة أنه لا يستطيع تحمل الزحام، فوقف أحد الركاب يقرأ عليه القرآن فقلت له: "على فكرة دا مش ملبوس دا مريض توحد"، وفي مرة أخرى تشاجرت معي إحدى السيدات لأني أجلست نجلي في الكرسي الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وعندما أخبرتها بحقيقة مرضه لم تصدقني.

وأشارت والدة محمد إلى أن المواطنين يسيئون التعامل مع المرضى من هذه الفئة؛ لأنهم لا يعلمون طبيعة مرضه، ففي إحدى المرات صدرت منه سلوكيات خطأ وحدثت مع نجلي عند شرائي بعض الأغراض من أحد المحال وأخذ شيء منه، فتشاجر معه صاحب المحل وعندما أخبرته بأنه ذوي احتياجات خاصة رد قائلا: "معاق إزاي مهو شكله طبيعي أهو ربو ولادكم بقي"، وإذا صدر عنه صويت في الشارع يقول الناس: "دي قلة أدب".

وكشفت أم محمد موقفا آخر عندما كانت جالسة مع نجلها وزوجها في أحد النوادي وصدر عنه بعض الأصوات خشي منه المواطنين الموجودين في المكان، وأرادوا إبعاده عن أبنائهم فأرسلوا للأمن وحاول الأمن طردنا من النادي أو أخذه لمكان آخر، تشاجر معهم زوجي وأخبرهم أنه مريض توحد ولا يصح التعامل معه بتلك الطريقة.

وطالبت أم محمد بنشر الثقافة في المجتمع وفي كافة المؤسسات والفنادق بأن مصابي التوحد ليس فقط الداون أو إعاقة ذهنية فحسب، هناك درجات منهم وأقل تلك الدرجات هم الأكثر معاناة في المجتمع، ولا بد من التنويه عن ذلك في المؤتمرات والندوات التي تتناول قضيتهم، فقد وصل بنا الحال أنا وأهالي المرضى بطباعة تيشرتات ليرتدونها للتوضيح للناس بأنهم ذوي احتياجات خاصة.

العقوبة القانونية
وعن العقوبة القانونية المنتظرة يقول محمد مختار الناشط الحقوقي في مجال الأشخاص ذوى الإعاقة، أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لعام 2018 فيه باب كامل من العقوبات وهو الباب الثامن ومن بين مواده وضع عقوبات لأى شخص يسيء للشخص صاحب الإعاقة، ومن بينهم مرضى التوحد، وشمل القانون كل الأشكال من الإساءة بداية من الإيذاء البدنى واللفظى ومرورا بالحرمان من التعليم وانتهاء بالإساءة إلى الشخص ذي الإعاقة في وسائل الإعلام.

وأضاف: فرض القانون عقوبة الإساءة بغرامة 5000 جنيه وحبس من 6 شهور لسنه، كما فرض أغلظ عقوبة في حالة الإساءة إلى ذوى الإعاقة بوسائل الإعلام المختلفة، وهى غرامة من 50 ألف إلى 200 ألف جنيه، مشيرا إلى أنه يوجد مادة أيضا تنص على مضاعفة العقوبة على أي جريمة نص عليها قانون العقوبات إذا كان المجني عليه من ذوى الإعاقة، وبما أن القانون صنف وشمل كل أنواع الإعاقة بما فيها التوحديين فكل نصوصه تنطبق عليهم.
الجريدة الرسمية