رئيس التحرير
عصام كامل

التكييف وبفرة دافنشي


ذهبت إلى قسم الشرطة كي أشكو صاحب محل البقالة الذي «أشكك» منه، لأنه «يشكك» في ذمتي، فهو يدّعي أنني مدين له بمبلغ كبير، لكنني أقسمت له أننا جميعا مادّين إيدينا للمحسنين، وهنيالك يا فاعل مرفوع مؤقتا من الخدمة، فمن فضلك ضع السماعة ووطي صوت التليفزيون.


ومن باب مشاركة المواطنين في مسألة التشكيك، شكك مأمور القسم في أقوالي، وأصر على أن يجري لي اختبار كشف المخدرات، فامتنعت لأنني أجريت قبل شهرين اختبار حمل، بدلا من المدام التي كانت مشغولة بترقيع شراباتي القديمة والقاهرة الجديدة، والحمد لله كانت النتيجة سلبية كباقي المواضيع في كتاب حياتي يا عين حلوان - المرج.

قال المأمور إنني حتما أتعاطى «المكيفات»، فأخرجت له روشتة كتبها طبيبي الخاص يحذرني فيها من التعرض لأي «تكييف»، ولم أكن ساعتها أعلم أن «المكيف» يمكن له أن يذهب للقسم ليحرر لي محضرًا بعدم التعرض لحادث سير «لي ستاك» وأتمنى لو أنساك.

فتشني المأمور فأخرج من جيبي دفتر بفرة، فحلفت له أنني «مش بتاع لف ودوران شبرا مصر هي أمي»، وأنني أكتب مذكراتي على ورق بفرة دافنشي حتى لا يطير الدخان، خوفا من أن تحرر لي وزارة البيئة مخالفة بدعوى أني أنا اللي خرمت الأوزون.

يرى الطبيب أن التكييف هو السبب في وخزة البرد بصدري، بينما أرى أنه السبب في وخزة ضميري، مع أنني لا أحب التكييف أصلا ولم أتعرض له إلا مرة واحدة وكان ذلك في بيت المرحومة خالتي، فزوجها رجل مرتشي يمكنه تسديد فاتورة الكهرباء على مرة واحدة كمن يتجرع الدواء على بُق واحد.

ورغم عدم وجود عمار ما بيني وبين التكييف، إلا أنني أجيد التكيف في كل الأوضاع، فمحسوبكم يتقاضى 1200 جنيه شهريا وبعون الله وبلا سحر ولا شعوذة يمكنني أن أعبر بهم الشهر العقاري كمن عدى البحر ولا اتبلش، ثم أجلس على الشط لأغني مع المافيا «أنا طالع من خناقة ماخدتش فيها خدش».

ولا تتوقف مسألة التكيف لدى عند حد التوفيق ما بين المرتب والمصاريف، فأنا أيضًا أجيد التكيف مع زملاء العمل مثلا، هم يحبونني حب الحماة لزوج ابنتها، وأنا أحبهم حب المريض للسرنجة، ومع ذلك يمكننا التعايش كزوجين «كاتمين في قلوبهم ومكملين علشان العيال» كبرت في مدرسة المشاغبين.

ومن مظاهر التكيف كذلك قدرتي على تحمل متطلبات ومطبات العلاقة التي تجمعني بسائق الميكروباص، وهي علاقة مشروعة قوامها الأجرة زادت جنيه يا حضرات، والدفع قبل الرفع من كشوف التموين وضرورة وصول «الدعك» لمستحقيه.

أما تكيفي مع وضعي كرب أسرة مكونة من سبع أفراد وقائد كتيبة تعيش في غرفة واحدة، فأساسه ضرورة التعايش السلمي بين الأعداء في وقت الحروب والأزمات القلبية، ففي بيتنا أعلنت المدام القوانين العرفية لضمان عدم خروج أي من أفراد الأسرة بعد نص الليل بدون إذن ماما أمريكا شيكا بيكا.
الجريدة الرسمية