رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السر المفقود فى الاقتصاد المصرى.. مشروعات المستقبل


نقطة ضعف الاقتصاد المصرى يكمن في طريقة تناولك لعنوان المقالة، وطريقة رؤيتك للاقتصاد، هل هو موارد أم إبداع.. طريقة تناولك للمحتويات بالأسلوب الذي يفكر فيه الأغلبية.. وهنا يكمن الفكر النمطى التقليدى horizontal progress نحو تنميط الفكر بدون البحث عن قيمة قد تتناولها المقالة من منظور أبعد وأعمق.


الأزمة في مفهومنا للاقتصاد كمجتمع اقتصادي مصري نحو الرغبة في الربح إلى ما لا نهاية بدون قيمة مخلوقة.. إنها أزمة القطاع الخاص والعام على السواء.. الإبداع في الاقتصاد هو السر نحو مشروعات المستقبل من خلال التفكير بأسلوب اقتصادي إبداعي vertical progress.

يلخص "بيتر ثييل" في كتابه "من صفر إلى واحد" رؤيته لمشاريع المستقبل، والتي جعلت الشركات الغربية تقترب من التحكم في مستقبل الاقتصاد ثم السياسة العالمية، لتصبح عن قريب كقطب من أقطاب القوى العظمى العالمية، حيث إن أكبر اقتصادات في العالم هي الشركات المتعددة الجنسيات، وليست الدول كما كان في السابق. 

ولعل أغلب النماذج للشركات الأقوى بدأت من جراجات وأماكن متواضعة وبدون الاعتماد على موارد، كما كانت الشركات الأقوى منذ عقد هي شركات البترول والمعادن... كتاب "من صفر إلى واحد" نشر ٢٠١٤، وحصل على تقييم ٤.٢ وطرح فكرة vertical progress اعتمادا على الإبداع.

لقب "بيتر ثييل" بـ"زعيم مافيا الاقتصاد"، لأن منهجه كان مصدر إلهام لتلاميذه، أولهم "ماسك" مؤسس شركة تسلا للسيارات وسبيس إكس، وأيضا ريد هوفمان مؤسس لينكد إن، وأخيرا ستيف جل مؤسس اليوتيوب.. "ثييل" أسس Paypal (المحفظة الإلكترونية)، ثم باعها ليؤسس شركة تحليل بيانات قيمتها السوقية حاليا ٦ مليارات دولار، ثم أصبح شريكا في فيس بوك.. هذه الشركات هي من أعلى قيم سوقية، وبلا أصول بالمعنى التقليدى للاقتصاد.. إن القيمة المخلوقة تعتمد على الإبداع أولا وأخيرا.

إن التفوق في خلق منتج وليس مجرد استنساخ أو تطوير، فيصبح المنتج هو من واحد إلى واحد زائد إكس، فكما قدم إديسون المصباح الكهربائي فلم يكن تطويرا، إنما قفزة نتجت عن إيمان إديسون بأن الإنسان لم يصل لأسرار العلم، فغامر وآمن للوصول إلى قيمة تمثل من صفر إلى واحد.. أنه آمن بأنه قادر على إبداع منتج بسيط يستطيع أن يقدم مشروعا يؤثر في اقتصاد العالم ومستقبله.

إن الاقتصاد المصري اعتمد لعقود على تقليد المشروعات ونسخها، فهكذا تضخمت ثروات رجال الأعمال، ولكن بلا تنمية مستدامة للاقتصاد الوطني، فاعتمدوا على الاحتكار غير الشريف في مفهومه الردئ، رغم أن الاحتكار بسبب التمييز هو القوة الاقتصادية المستمرة، مثلما حققت جوجل ومايكروسوفت احتكارها.. فوسط المنافسة يخطيء المستثمر بأن المنافسة هي الهدف رغم أنها الوسيلة.

إن احتكار جوجل ومايكروسوفت لأسواق محددة هي نمط من أنماط الغزو الاقتصادي اعتمادا على حقوقهم للملكية الفكرية في إبداعهم، وتحقيق قيمة مخلوقة للعميل لم يتذوقها من قبل، ولا يستطيع أحد منافسة احتكارهم.. مع انخفاض قيمة التوسع الإنتاجي (اقتصاديات السعة)، لأن نسخ البرامج تكلفته شبه منعدمة.

أهم ما يميز الإمبراطوريات الاقتصادية هو تفرد العلامة التجارية branding قبل التركيز على تكلفة المنتج للسيطرة النفسية على المتلقي، وهو ما يمثل التفوق النوعي لهذه الشركات عن الشركات العربية، رغم أن الأسواق العربية هي الأكثر استهلاكا للماركات.. ويكمن السر في تفوق العلامة التجارية في الاستحواذ على ولاء وثقة العميل، وهو ما طرحه "ريتشارد ثيلر" الذي حصل على جائزة نوبل الاقتصادية لعام2017 لعلم الاقتصاد السلوكي.

ليحلل كيفية تأثير العلامات التجارية في التأثير على القرار الاقتصادي للمستهلك نفسيا، على عكس نظريات الاقتصاد الكلاسيكية، مما دفع الحكومة الإنجليزية إلى تأسيس "وحدة للتنبيه" أثناء ولاية رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عام 2010 للتحكم في السلوك العام للمجتمع، وتحليل الأبعاد النفسية للسيطرة على الثقافة الاستهلاكية داخل المجتمع الإنجليزي.

أهم ما يميز المؤسسات الاقتصادية المبدعة هو تحكمها في اقتناص أكبر قيمة من المنتج لها وليس للوسطاء، فإن شركات الطيران رغم ضخامة مبيعاتها فإنها قد تحصل على نصف دولار فقط من كل تذكرة، وقد تحقق بعضها خسائر، في حين أن جوجل تحقق أضعاف مكاسبها مجتمعة.

إن مطاردة أسرار الريادة هو الروح لتفوق المؤسسة نحو تطور مستمر، وإن فقد الشغف مثل فقدان البوصلة في مضمار الهيمنة الاقتصادية.. هكذا فقدت شركة HP تفوقها، لأنها استبدلت فريقا من المديرين الشغوفين بالوصول لإبداع فريد إلى فريق من البائعين المجتهدين المقلدين بلا شغف نحو البحث عن سر من الأسرار.. الأخطر استبدال الهادفين للتفوق اللانهائي على المدى الطويل إلى الهادفين لمكاسب محدودة على المدى القصير. 

هكذا تفوقت PayPal التي ظلت لسنوات لا تحقق أرباح، ولكنها أسست احتكارها لسوق صغير وشريحة محددة، وأيضا نجح "جيب بيزوز" في تحويل أمازون من سوق الكتب إلى محتكر بيع المنتجات على المدى الطويل.

إن الفكر الاقتصادي المصري دأب على تقليد الغرب منذ عهد طلعت حرب، ولم يستثمر تميزه في منتجات تعتمد على قيمة متفردة مثل القطن أو المنتجات الفرعونية التراثية، أو تسويق سحر الحضارة الفرعونية معتمدا على انبهار الغرب بعلم المصريات، فلم ينتج علامات تجارية إبداعية، بل للأسف لا يدرك مجتمع الأعمال في مصر كيفية استثمار الهوية الفرعونية كمنتج، إنما اعتمد لقرون على اقتصاد تصدير المنتج الخام، وبالتالي يحصل الغرب على النسبة الأكبر في السعر النهائي. 

نحتاج لإدراك الاقتصاد السلوكي وتحليل فكر المستهلك الغربي، وإبداع علامات تجارية تعتمد على الهوية وتحقق استقرار مستدام للاقتصاد المصري، لمنافسة الشركات متعددة الجنسيات... إن السر في الإبداع والإيمان بالقدرة على التفرد، وليس استنساخ نماذج غربية.. وعلى مر التاريخ كان الإبداع هو وقود الحضارة الإنسانية.
Advertisements
الجريدة الرسمية