رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«جزائر» المليون شهيد إلى أين؟!


ما أشبه الليلة بالبارحة، ما يحدث في الجزائر اليوم شديد الشبه والصلة بما حدث في أقطارنا العربية في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011، تحت مسمى الربيع العربي المزعوم، وبما أننا شخصنا ما حدث بأنه يتصف بالخصوصية بحيث يختلف من بلد عربي إلى آخر، حيث كان الحراك الشعبي له مبرراته في بعض البلدان مثل تونس ومصر واليمن، ولم يكن له أي مبررات في بلدان أخرى مثل ليبيا وسورية، بل جاء الحراك مصحوبا بدعم خارجي بهدف تدمير هاتين البلدين..


وبالطبع انتهز الغرب الاستعمارى الفرصة للتدخل لاحقا في تونس ومصر واليمن، لكن تظل هناك علاقة وصلة بين التجارب المختلفة، وفى حالة الجزائر اليوم فهى شديدة الشبه والصلة بالحالة المصرية عشية 25 يناير 2011.

فالنظام السياسي في الجزائر وصل لحالة من الجمود والعجز والتكلس وعدم القدرة على القيام بوظائفه الحيوية تماما، مثلما حدث للنظام السياسي المصري في آخر أيام "مبارك"، وإذا كان نظام "مبارك" أشجع في طرح بديل للرجل المسن المريض الذي أصبح عاجزا عن القيام بمهام وظيفته كرئيس للجمهورية بنفس الطاقة والحيوية المعهودة، وهو ابنه الذي فرض فرضا على الحزب الحاكم، فإن الوضع في الجزائر أكثر بؤسا..

لأن النظام عجز عن طرح بديل للرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" الذي أصبح ومنذ سنوات عاجزا عن الحركة والكلام، وشبه ميت إكلينيكيا، ويصر على طرحه لفترة رئاسية جديدة حتى وهو خارج البلاد يعالج في سويسرا، وهو ما دعى الجماهير للخروج متظاهرة ورافضة لهذا الترشح.

وما يؤكد العجز أن الحزب الحاكم "حزب جبهة التحرير الوطني" الذي لعب دورا تاريخيا في استقلال الجزائر ما زال يتحدث عن "بوتفليقة" باعتباره أحد المجاهدين ضد الاستعمار، لذلك لابد أن نحتفظ به حتى الرمق الأخير رغم العجز عن القيام بمهام وظيفته، وهو نفس ما كان يردده الحزب الحاكم في مصر "الحزب الوطنى الديمقراطى" بأن مبارك أحد قادة حرب أكتوبر 1973 وصاحب الضربة الجوية التي كانت مفتاح النصر على العدو الصهيونى..

وبالطبع هذه المبررات حقيقية لكنها لا تصلح ولا تصمد أمام العقل، فالتاريخ سيذكر ويخلد المواقف البطولية، لكن سيذكر أيضا مواقف العجز والتبعية للأمريكى من قبل مبارك، وللفرنسى من قبل بوتفليقة خلال فترة حكمهما لمصر والجزائر.

فخلال فترة حكم "مبارك" تردت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من المصريين، نتيجة الدوران في فلك النظام الرأسمالى العالمى والاتجاه إلى بيع ممتلكات الشعب إلى بعض رجال الأعمال وبعض المستثمرين الأجانب، مما جعل فئة قليلة تسيطر على مقدرات الاقتصاد الوطنى، نفس الأمر تتعرض له الجزائر اليوم، فالغالبية العظمى من الجزائريين يعانون على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في الوقت الذي يسيطر على الاقتصاد مجموعة من رجال الأعمال يملكون ما يقرب من 80 % من ثروات البلاد، ويدير هذه العملية شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة الذي يقدم نفسه على أنه مستشار للرئيس دون أن يكون له أي موقع رسمى.

وفى ظل هذه الأوضاع المتردية يطرح الحزب الحاكم الرئيس بوتفليقة لفترة رئاسية جديدة فتخرج الجماهير رافضة للترشيح وتطالب ببديل وهذا بالطبع حقها، والنظام يتعامل بغباء شديد ويصر على موقفه، تماما مثلما حدث من نظام مبارك الذي ظل يعاند الجماهير، وبالطبع مع مرور الوقت يزداد سقف المطالب، وتتدخل القوى الخارجية لدعم بعض القوى السياسية الضعيفة والهشة المندسة بين الجماهير الشعبية في محاولة للقفز إلى السلطة، وفى حالة مصر كانت الأحزاب السياسية المهمشة غير قادرة على الصعود لسدة الحكم كبديل للحزب الحاكم، نفس ما تشهده اليوم الجزائر فالأحزاب السياسية المهمشة من قبل النظام السياسي عاجزة عن تصدر المشهد وغير قادرة على طرح نفسها كبديل للحزب الحاكم.

وكما كانت جماعات الإسلام السياسي هي البديل الجاهز للقفز على الحراك الشعبي والوصول لسدة الحكم في مصر، فإن نفس الجماعات الإسلامية السياسية تجهز نفسها الآن للانقضاض على السلطة في الجزائر، وبالطبع هذه الجماعات على الرغم من تعددها إلا أنها في اللحظة المناسبة تتوحد وتصطف خلف "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" التي أسالت دماء الشعب والجيش في العشرية السوداء في العقد الأخير من القرن العشرين قبل وصول بوتفليقة للحكم.

وكما فعلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الجماعات الإرهابية من أجل الوصول للحكم في مصر تحت دعاوى تأييد الحراك الشعبي المحق بفعل سياسات نظام مبارك، فإن نفس السيناريو يتم الآن في الجزائر فالتصريحات الأمريكية والفرنسية تؤيد وتدعم الحراك الشعبي، وتنتظر نتائجه لتدفع بالقوى الإرهابية لسدة الحكم، لذلك يجب على النظام السياسي أن يفيق من غيبوبته ويسرع الخطى بطرح بديل للرئيس "بوتفليقة" على أن يطرح هذا البديل روشتة عاجلة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي..

حتى لا نضع الجيش والشعب في مواجهة نحن في غنى عنها، ولتبقى الجزائر موحدة ومستقرة ومحافظة على مواقفها القومية التي نفخر ونعتز بها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

Advertisements
الجريدة الرسمية