رئيس التحرير
عصام كامل

إنها لتذكرة


عندما تموت الضمائر وتخرب الذمم وتضيع الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة وتتهاوى وتقود الأهواء والشهوات الناس، ويغيب العدل والرحمة بين الناس، وتتحكم الأطماع في النفوس وتغلب المصالح الشخصية ويضيع الانتماء للأرض والوطن، ولا يخشى الله تعالى بالغيب ولا يعمل حساب للآخرة، تعم الفوضى وتسود وينتشر ويتفشى الفساد، فتسوء أحوال العباد والبلاد ويصبح المجتمع همجي أشبه ما يكون بعالم الغابات.


القوى يأكل الضعيف بل يكن أسوء حالا. ولا شك أن ذلك كله نتاج الابتعاد عن منهج الله تعالى وشريعته الغراء وقيمه الإنسانية النبيلة، وهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ذلك الهدى الذي يضع البشر على خط الاستقامة، وينشر بينهم الرحمة والمحبة والسلام والأمن والأمان.

هذا ولقد كان من حكمة الله تعالى في إرسال الرسل والأنبياء عليهم السلام بالرسالات السماوية، التي تحمل بين طياتها كل المكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة بما فيها من الرحمة والعدل والتسامح وحب الخير والبناء وعمارة الأرض وإصلاحها، وغير ذلك من وجوه الخير والصلاح..

كان من الحكمة الإلهية تنظيم حركة الإنسان على هذا الكوكب وعمارة الأرض، ونشر الرحمة الإلهية وإقامة العدل بين البشر، وكان من الحكمة الإلهية أيضا إعطاء الفرصة وتهيئ الجو للروح كي تحلق وتتصل بعالمها وأصل مصدرها، حتى تأتي بلا إمدادات إلهية لمملكة الإنسان والتي منها الحكمة والنور الرباني الذي يقود حركة الإنسان في الحياة، ويقوده إلى أعمال الخيرات وحسن المآل في الآخرة..

والأهم من ذلك فتح باب المعرفة بربه عز وجل، وهي الأصل في خلق الإنسان وتكليفه بالعبادة، وإلى ذلك أشار حبر الأمة سيدنا عبد الله بن العباس رضي الله عنهما بقوله في معنى قول الله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".. قال: "أي إلا ليعرفون".

فالمقصود من العبادة المعرفة به تعالى، فهي الباب الموصل للمعرفة.. ومن هنا ندرك أن العبادات وسيلة وليست في حد ذاتها بغاية ولكن لا بد منها فهي الأساس والأصل في المعرفة. ولقد استند رضي الله عنه إلى قوله عز وجل في الحديث القدسي الذي أعلن الحق فيه سبحانه عن مراده تعالى الأول والذي على أثره انبثقت كل المرادات الإلهية والذي قال فيه سبحانه: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني"..

هذا ولا سبيل لمعرفته عز وجل إلا بسلوك الطريق إليه سبحانه والأصل فيه الإستقامة على شريعته تعالى والاهتداء بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم واتباعه. هذا ولقد أرشد سبحانه إلى السبيل في سلوك الطريق إليه عز وجل في الحديث القدسي الذي يقول فيه: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما زال يتقرب إلى عبدي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويداه التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"..

هذا والإنسان العاقل المدرك بأنه سيموت وسيفارق الحياة وأن الدنيا مصيرها إلى فناء وزوال وأنه خارج منها كما بدأ وجوده فيها صفر اليدين.. عريان ضعيف لا حول له ولا قوة، وأنه راجع إلى ربه تعالى وواقف بين يديه عز وجل، ومحاسب ومصيره إما إلى الجنة والتنعيم وإما إلى النار والعذاب. واجب عليه أن يراجع نفسه ويعجل بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى والصلح معه سبحانه، وألا يجعل الدنيا مبلغ همه ولا منتهى علمه وأن ينزع حبها من قلبه..

فهي كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنها رأس كل خطيئة"..
الجريدة الرسمية