رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشافعي وهارون الرشيد


عزيزي القارئ توقفنا في المقال السابق عند قول هارون الرشيد للإمام الشافعي أنت قلت للناس إن قريشا كلها أئمة وأنت واحد منهم.. رد الشافعي قائلا: يا أمير المؤمنين. والله ما تشوقت نفسي للإمامة يوما، ولا تطلعت لها، أما عن قولي إن قريشا كلها أئمة وأنت واحد منهم فسلني عما شئت وعلى المدعي البينة. فقال الرشيد: ما مدى علمك ونظرك بكتاب الله تعالى.. فقال الشافعي: عن أي كتاب تسأل يا أمير المؤمنين.


فالله تعالى أنزل ستة وستين كتابا على خمس أنبياء، وأنزل كتابا موعظة لنبي وحده وكان سادسهم. أولهم آدم عليه السلام وعليه أنزل الله ثلاثين صحيفة كلها أمثال، وأنزل سبحانه على أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ست عشرة صحيفة كلها حكم، وعلم الملكوت الأعلى، وأنزل على إبراهيم عليه السلام ثمانية صحف كلها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر..

وأنزل على موسى عليه السلام التوراة في تسع ألواح كلها تخويف وموعظة، وأنزل على عيسى عليه السلام الإنجيل ليبين لبني إسرائيل ما اختلفت فيه من التوراة، وأنزل على داود عليه السلام كتابا كله دعاء وموعظة لنفسه حتى يخلصه به من خطيئته وحكم فيها لنا واتعاظ له عليه السلام..

وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الفرقان، وجمع فيه سائر الكتب، وقال تعالى: "تبيانا لكل شيء وهدى وموعظة أحكمت آياته ثم فصلت".. فعن أي كتاب تسأل يا أمير المؤمنين.. هنا أعجب هارون الرشيد بالإمام الشافعي فنظر إليه وقال: قد أحسنت في تفصيلك أفكل هذا علمته..

فأجاب الشافعي: أي والله يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: حدثني عن كتاب الله الذي أنزل على ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقال الشافعي: عن أي آياته تسأل، عن الآيات المحكمة أم عن المتشابهة، أم عن ما تقدم وحيه، أم عن ما تأخر منها، أم عن الآيات اللاتي نسخت آيات أخرى أم عن الآيات المنسوخة، أم عن ما ثبت حكمها وارتفع تلاوتها، أم عن ما ثبت منها تلاوته وارتفع حكمه..

أم عن الآيات اللاتي ضرب الله بها الأمثال، أم عن الآيات التي فيها الاعتبار، أم آيات الأمر والنهي والزجر والتخويف والوعد والوعيد، أم عن الآيات اللاتي ذكر فيها أفعال الأمم السابقة، أم عن ما حذرنا الله فيها..

فدهش هارون الرشيد من غزارة علم الشافعي وتبحره في علوم القرآن وازداد إعجابه بالشافعي فنظر إليه متبسما وقال: بما ذلك يا شافعي.. قعد له الإمام الشافعي ثلاثة وسبعون حكما في القرآن.. فقال الرشيد: ويحك يا شافعي أفكل هذا يحيط به علمك، فقال الشافعي: هذا فضل الله تعالى ولك أن تمنحني كيف شئت.

فقال الرشيد: أحسنت.. أحسنت، فما علمك ونظرك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.. فقال الشافعي: إني لأعرف منها ما كان واجبا ولا يجوز تركه كما لا يجوز ترك ما أوجبه الله تعالى في قرآنه، وما خرج على وجه التأديب، وما كان منها على وجه الخاص ليس للعام، وما كان منها على وجه العموم والخصوص، وما كان منها جوابا عن سؤال سائل يخصه وحده ولا يخص غيره، وما خرج منها منه صلى الله عليه وسلم لازدحام العلوم في صدره الشريف..

وما كان منها خاصا له صلى الله عليه وسلم دون الناس، وما فعله صلى الله عليه وسلم ليقتدي به الخاصة من الناس والعامة.. فقال الرشيد: أخذت الترتيب يا شافعي لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنت موضعها لوصفها، فما حاجتنا للتكرار عليك ونحن نعلم ومن حضرنا أنك حامل نصابها.

فقال الشافعي: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وإنما شرفنا برسول الله صلى فيك. فقال الرشيد: كيف بصرك باللغة العربية، فقال الشافعي: هي مبدأنا وطباعنا بها قومت، ألسنتنا بها جرت وصارت لنا كالحياة لا تتم إلا بالسلامة، وكذلك العربية لا تسلم إلا لأهلها، ولقد ولدت وما أعرف اللحن فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء وعاش بكامل الهناء وبذلك شهد لي القرآن..

قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه".. يعني سبحانه قريش وأنا وأنت منهم. يا أمير المؤمنين والعنصر نظيف والجرثومة منيعة شامخة. أنت أصل ونحن فرع والنبي صلى الله عليه وسلم مفسر ومبين به. اجتمعت أحسابنا فنحن بنو الإسلام وبذلك ندعوا وننسب..

فقال الرشيد: صدقت بارك الله فيك..
عزيزي القارئ نستكمل هذا الحوار في المقال القادم بمشيئة الله تعالى
Advertisements
الجريدة الرسمية