رئيس التحرير
عصام كامل

غناء ومقاومة الطاقة السلبية.. طقوس راعيات الغنم على ضفاف نيل قنا (صور)

فيتو

«يا شمس يا منورة نيلي.. خلي ضيك يغطينا.. دفي الغلبان.. واشفي العليل».. فلكلور صعيدي ترددها نساء رعي الأغنام اللاتي يستقلن ضفاف النيل في الساعات الأولى من صباح أيامهن، حاملات فوق أكتافهن أجولة من الحشائش والبرسيم، وبأيديهن منجل وأمامهن الغنم، ينزلن إلى منخفض النهر بالقرب من الجزر الخضراء التي تتوسط النهر.


رحلة الشقاء
تبدأ رحلة الشقاء في الساعات الأولى من الصباح، يستقل البعض منهن المراكب الشرعية وبأيديهن المجداف حتى يصلن إلى ضفاف النهر، يجلسن يتبادلن الحديث، وبجوارهن الغنم منهمك في الأكل من الأرض الخضراء.

وقالت فضل منه محمد، ربة منزل: "اعتدنا منذ سنوات أن نذهب إلى ضفاف النهر نجلس بتلك الطريقة نغني خاصة إذا كانت تلك المنطقة مستقلة بعيدة عن المارة نرعى الغنم ونجلس بجوارهن لالتقاط الطعام".

وتابعت: "إحنا تعودنا منذ الصغر على تربية الأغنام ورعيها على ضفاف النيل وفي الجزر الخضراء المجاورة أو التي تتوسط النهر.. هناك أكل الغنم، ومن بعده إحنا الغلابة اللي بنعيش على تربية الغنم، وأكل عيشنا"، لافتة إلى أن تربية الأغنام مهنة الأنبياء والرسل.

عادات موروثة
وأشارت نورة محمد سعد، ربة منزل، إلى أنها كانت تشاهد والدتها وبعض جيرانها يسرن على نفس النهج، حيث صفاء النفس على، فضلًا عن أنه مكانًا للتدفئة وبخاصة أن البيوت تمتاز في الصعيد بانخفاض درجة الحرارة بسبب الزراعات المجاورة أو التي تتوسطها هذه البيوت القديمة المشيدة بالطوب اللبن، مستطردة: "بيوت الغلابة كلها فقر وبرد.. وربنا بيعطف علينا بنور الشمس ودفئها على ضفاف النهر يغني عن أي بطانية".

وعلى ضفاف النيل يفترش الأطفال الأرض والبعض يستقل المركب الشراعي لتعرية جزء من أقدامهم وتعريضها للشمس خاصة الذين يعانون من نقص الكالسيوم.

قالت نجاة محمود الضوي، ستينية العمر، إن شمس النيل تعد كالسيوم طبيعيا للأطفال وقديما عندما كان يولد طفل يعاني من صعوبة في السير كنا نضع الطفل في الشمس عاري القدمين.

دواء العليل
وتابعت: "شمس النيل دواء العليل وكالسيوم أطفال الصعيد الغلابة، وجلسة النيل بالنسبة للصعيدات وأطفالهن شيء مقدس يتبادلون في الحديث حول كل ما يهمه والبعض منهم يتعلم الصيد خاصة وأن الأسماك تكون قريبة على الضفة في بعض الأوقات".

وسردت أم يحيى منصور سالم، سبعينية العمر، قصة نجلها الذي كان يعاني من تأخر في المشي وقال: "الشمس ده هبة ربنا للصعيد الغلبان المحروم.. اللي مش حيقدر على دفع الفلوس في العلاج.. هي دى علاجنا، وكان يحيى عنده صعوبة في المشي ونصحتني والدتي وقتها بأن أجلس به بالقرب من ضفاف النهر وأفرد قدمه في الشمس، وظلت في تلك الجلسات لعدة أشهر حتى تمكن من السير وأصبح رجلًا اليوم".

طقوس وفسحة
وعن طقوس راعيات الغنم قالت نادرة محمود: "نجلس على ضفاف النيل ننتظر حتى مغيب الشمس وحولنا الأواني الألومنيوم نغسل الخضر نأتي بالمش والجبن والعيش الشمسي الصعيدي ونفترش الأرض، وفي النيل نرمي همومنا.. بدل ما يهد جسمنا المرض.. ونرقد في الفراش".

وأردفت: "هي دي نزهتنا وعلى ضفاف النيل فسحة نساء الصعيد الغلابة، وجلسة النيل المقدس تضيع كل هذه الطاقات السلبية وتأتي مع تدافع موجات النيل روحا تقدس تلك الحياة وتجعلنا نتمسك بها أكثر".
الجريدة الرسمية