رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بنو آدم


تجلت حكمة الخالق في أنه بدء الخلق من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها، ومن الزوجين كان بنو آدم من ذكور وإناث وشعوب وأجناس. وقد رفض من لا يؤمنون بالخالق فكرة أن يكون الناس جميعهم قد جاؤوا من زوجين اثنين ذكر وأنثى، إلا أن الاكتشافات العلمية المتوالية أثبتت أن وحدة تكوين الإنسان هي الخلية، وأن جوهر تركيبها واحد في كل البشر مهما اختلف مظهرهم الخارجى، وأن ذلك التركيب وهذا المظهر مسجل لدى جميع البشر كصفات مدونة في مكتبة وراثية موجودة في نواة الخلية..


وأن تلك المعلومات مصنفة في أقسام تسمى كروموسومات، وتلك الأقسام بها كتب تسمى الجينات، وأن الكتب تحتوى على صفحات معلومات تختلف بترتيب الحروف التي كتبت بها، وهى القواعد النووية التي لا تختلف من إنسان لآخر إلا في بعض الترتيب، ومن ذلك ظهر الاختلاف في الشكل والتكوين.

ورغم أننا جميعا من أب واحد وأم واحدة إلا أن الخلاف بين بنى آدم قد ظهر مبكرا، ومنذ السنوات الأولى لوجود البشر على الأرض، وبينما كانت الأرض ممتدة أمامهم والخير كثير إلا أن حقد الإنسان على أخيه الإنسان وابن أبيه النبى الذي جعل الله الملائكة يسجدون له وفضله على خلقه جعله يرتكب أول جريمة في تاريخ البشرية، وأصبح قابيل هو أول من سفك دما على الأرض، وسن سنة خبيثة ربما يناله من وزر كل من عمل بها إلا أن يتوب الله عليه ويغفر له.

وربما تكون مغارة الدم في جبل "قايسون" شمالى دمشق كما يقولون هي موقع تلك الجريمة، وربما حمل قابيل جثة هابيل سنة كاملة أو مائة سنة قبل أن تداركه رحمة ربه بإرسال الغرابين ليعلمانه كيف يوارى سوءة أخيه، وربما أنه طاف الأرض خجلا أو حزنا حتى استقر به المقام باليمن..

فالمؤكد أن بنى آدم انتشروا في الأرض، وقيل إن آدم عاش ألف سنة وإنه مات وعلى الأرض أربعمائة ألف من بنيه. لكن بنى آدم عمدوا إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء والجرائم، ونسوا أصلهم، والهدف من خلقهم، وصارت كل عائلة تدعى أنها تملك جزءا من الأرض لا تسمح أن يصل خيره لغيرها..

وانضمت الأنانية والكراهية إلى الحقد عند بنى آدم، وبدءوا في استخدام القوة ضد بعضهم بعضا رغم السعة والوفرة في ذلك الحين. وقيل إن الله أرسل مائة وأربعة وعشرين ألفا من الأنبياء من بينهم ثلاثمائة وثلاثة عشر من الرسل حتى يتوب بنو آدم إلى رشدهم، ويتذكروا عهدهم وأصلهم ويراعى بعضهم بعضا، وبديهى أن كل الأنبياء والرسل جاءوا جميعا برسالة واحدة هي رسالة السلام والإخاء والإعمار..

رسالة الحب والسماحة والرحمة، إلا أن ردة فعل بنى البشر كانت عكسية مزيد من الانقسام والكراهية والعداء والتمييز، ومزيد من الجرائم. اختلف بنو آدم في عقائدهم وكما قسموا أنفسهم جغرافيا وحثهم زعماؤهم على أن يقتل بعضهم بعضا حفاظا لمصالحهم وثرواتهم، بدأوا بتقسيم أنفسهم تبعا لعقائدهم وصار منهم من ينشر كراهية الآخر ويحرم التعامل معه بل ويدعو إلى قتله!

نسىي بنو آدم أنهم من جد واحد وانهم من التراب وإلى التراب يعودون، وصار بعضهم يظن أنه أفضل من الآخر بسبب غناه أو عقيدته أو عائلته أو مكان ولادته، وحتى مكان عمله وربما بدون حجة واضحة.. إنها ثقافة التمييز وكراهية الآخر التي سكنت قلوب بنى آدم فنزعت منه الأخوة والمحبة، واستغلها شياطين البشر من أفراد وجماعات ودول في نشر الموت والخراب سعيا وراء مصالحهم.

ترى هل بقى هناك أمل في أن يثوب بنو آدم إلى رشدهم ويطهروا قلوبهم مما أصابها، ويتذكروا أنهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة ودم واحد وأن ظروف الحياة على الأرض الآن تجبرهم على التعاون لا التناحر. ترى هل تنجح دعوات المحبة والسلام أن تجد آذانا مصغية في ظل طبول الحرب التي يعلو صوتها ويتفنن أصحاب المصالح في تضخيمها؟

وحدها الأيام هي القادرة على أن تجيب عن هذا السؤال.
Advertisements
الجريدة الرسمية