رئيس التحرير
عصام كامل

5 ألغام بقانون التصالح في مخالفات البناء.. الحكومة والبرلمان تجاهلا المواد المثيرة للجدل.. التشريع الجديد مصاب بـ«العوار».. النواب استهدفوا مصالحة أبناء دوائرهم.. والحكومة تسعى لإنعاش خزانة

فيتو

بسرعة منقطعة النظير، ودون دراسة جادة لمواده، أقر البرلمان قانون التصالح في مخالفات البناء، على الرغم من وجود العديد من الألغام.


ممثلو الحكومة بالتنسيق مع أعضاء مجلس النواب غضوا الطرف عن كثير من المشكلات والأزمات في بعض المواد ليخرج القانون مصابا بالعوار قبل أن يبدأ تنفيذه.

رد الجميل
وجاءت موافقة الحكومة على استعجال البرلمان لإقرار هذا التشريع الهام، كنوع من أنواع رد الجميل لمجلس النواب، الذي وافق الحكومة في العديد من القرارات التي كان لها أثرها السيئ على المواطنين، فجاء قانون التصالح لمصالحة النواب لأبناء دوائرهم.

موافقة الحكومة على تمرير القانون لم يكن لأجل سواد عيون نواب البرلمان فقط، وإنما لغرض آخر وهو تنمية موارد الدولة، بهدف سد العجز، حيث إن التصالح سينتج عنه الحصول على أموال من المواطنين سواء في تقديم طلبات التقنين، وبعد ذلك التصالح، والذي أقره القانون بـ50 جنيهًا كحد أدنى وصولا إلى 2000 جنيه للمتر كحد أقصى، وهو ما أكده المستشار عمر مروان، وزير شئون مجلس النواب، في الجلسة العامة أثناء مناقشة مشروع القانون، بقوله: قانون التصالح في بعض المخالفات، يعني تقنين أوضاع وليس توقيع عقوبات، بمعنى الحصول على مقابل من العقار غير المشروع لتصحيح وضعه، ثم إعادة هذا المقابل مرة أخرى للبنية التحتية والكهرباء والمجتمعات العمرانية الجديدة وفقا لنسب محددة بالمشروع.

التحايل على الألغام
ونجح الطرفان "الحكومة والبرلمان" في التحايل على عدد من الألغام بين مواد القانون وتم تمريره، خصوصا مع قرب انتهاء الفصل التشريعي، والترتيب مبكرا للانتخابات المقبلة، وكل نائب يسعى لعمل أرضية جماهيرية أملا في الحفاظ على مقعده في البرلمان المقبل.

ولعل أبرز المخالفات التي تهدد قانون التصالح ما جاء في المادة الأولى والذي يجيز التصالح في البناء على الأراضي الزراعية، وهو ما جاء في الفقرة (ج) من القانون والتي تنص على: "يستثنى من البناء خارج الأحوزة العمرانية، الكتل السكنية المتاخمة للأحوزة العمرانية للقرى والمدن، ويقصد بها المباني المكتملة والمتمتعة بالمرافق والمأهولة بالسكان والمقامة على مساحات فقدت مقومات الزراعة وطبقًا للتصوير الجوي في 22/ 7/ 2017 والتي يصدر بتحديدها قرار من لجنة الأحوزة العمرانية المشكلة بقرار من السيد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة.

هذه الفقرة من المادة الأولى في قانون التصالح تخالف ما جاء في المادة 29 من الدستور، والتي تنص على: الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما، وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.

ومن بين الألغام التي تهدد القانون، غياب المخطط التفصيلي الكامل للأحوزة العمرانية، حيث أن المادة الأولى حظرت التصالح في البناء خارج الأحوزة العمرانية ومخالفة قانون البناء الموحد، إلا أنها في ذات الوقت حددت عدة استثناءات.

وتشابك القانون محل النقاش مع قوانين وقرارات أخرى كان يستوجب في الوقت ذاته إجراءات تعديلات واتخاذ قرارات بعينها، ومن ضمنها أنه كان يتوجب في الوقت نفسه إجراء تعديلات على قانون البناء الموحد، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بقانون مخالفات البناء، فضلا عن إصدار قانون المحليات بالتزامن مع هذا القانون، وإجراء التقسيم الإداري الجديد للمحافظات.

تصالح وإصلاح
وفي هذا السياق، أكد المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، أمين ائتلاف دعم مصر، أن التصالح في مخالفات البناء، يجب أن يكون مقرونًا مع الإصلاح، مشيرا إلى أن إصدار تشريعات لتقنين أوضاع استثنائية يجب أن تأتي جنبًا إلى جنب مع تشريعات تعمل على التطوير المؤسسي لتلافى لجوء المواطن مرة أخرى لممارسة الأنماط الاستثنائية المخالفة.

وأشار إلى أنه مع صدور هذا التشريع الهام، ولكن يجب أن يرافقه مجموعة من الإجراءات، من بينها ضرورة إجراء تعديلات على قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، بغرض التيسير والتبسيط على المواطنين في الحصول على التراخيص.

وأوضح النائب، أن من بين الإجراءات التي كان يجب أن تكون مع التصالح في مخالفات البناء، سرعة إصدار قانون الإدارة المحلية الجديد، والذي انتهت منه اللجنة وسلمته لأمانة المجلس منذ فترة طويلة ولم ير النور حتى الآن، وكذلك قانون التخطيط العام للدولة الجديد، والذي سيتم على أساسه التقسيم الإداري الجديد للمحافظات.

وأوضح السجيني، أنه كان يتحتم كذلك سرعة اعتماد الأحوزة العمرانية والكردونات والمخططات الإستراتيجية والتفصيلية، من خلال رؤية عملية واقعية تحقق منفعة للدولة وإيرادات وفي ذات الوقت تطبق اشتراطات التنظيم والتخطيط والنسق الحضاري.

توسيع نطاق التجربة
ولمنع استمرار عمليات المخالفات في البناء، دعا رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان، إلى توسيع نطاق تطبيق تجربة وحدة التدخل السريع في كافة المحافظات لإزالة المخالفات في المهد، مطالبا أيضا بإنشاء نيابة ودائرة قضائية مختصة بشئون المحليات.

وقال أمين ائتلاف دعم مصر: علينا العمل على توسيع فلسفة الاستباق والإتاحة للأراضي أو الوحدات السكانية والعقارية المخططة.

من جهته أبدى الدكتور حسين غيتة، عضو مجلس النواب، اعتراضه على بعض بنود القانون، في مذكرة أعلن أنه قدمها للدكتور على عبد العال، خصوصا ما جاء في المادة الأولى والخاص بحظر التصالح في التعدي على خطوط التنظيم المعتمدة وحقوق الارتفاق المقررة قانونا.

واعترض غيتة على الاستثناء في التصالح مع البناء على الأراضي الزراعية، حيث جاء في المادة الأولى السماح للتصالح في الكتل السكانية المتاخمة للأحوزة العمرانية، وأن المعيار الذي يحكمها هو التصوير الجوي الذي حدث في 2017 -أي منذ أكثر من سنتين- مشيرا إلى أن الاحتكام هنا إلى معيار تم منذ سنتين، بالإضافة إلى فترة إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في مخالفات البناء، وهو ما يعني أن التطبيق لن يكون إلا بعد ثلاث سنوات على أقل تقدير، كما أن كلمة "متاخمة" غير مفهومة.

وبرر النائب عبد المنعم العليمي، عضو اللجنة التشريعية في البرلمان، صحة موقف البرلمان في عدم مخالفة نص المادة 29 من الدستور في شأن حماية الأراضي الزراعية وعدم التعدي عليها، بأن التصالح حق على الدولة، مشيرا إلى أن التعديات أغلبها تم أثناء فترة الانفلات أعقاب الثورة في مختلف المحافظات، أي أنها وقعت قبل دستور 2014.

فقد الصفة الزراعية
وقال العليمي إنه وفقا لرؤية المتخصصين فإن هذه الأراضي التي تم البناء عليها فقدت صفتها كأراض زراعية، ولا يمكن أن يتم إعادة استغلالها في الزراعة مرة أخرى فمن باب أولى إجراء عمليات التصالح وتقنين أوضاعها، ولكن بعد صدور القانون يجب أن يكون هناك رقابة صارمة لمنع أي تعديات أخرى على الرقعة الزراعية.

من جهته أوضح هيثم الحريري، عضو مجلس النواب، أن القانون الهدف منه تصحيح أخطاء السلطة التنفيذية في الفترة الماضية، والتي تسببت في انتشار البناء على الأراضي الزراعية بالمخالفة.

وأشار إلى أنه لا مجال لهذه الأراضي إلا التصالح فيها، لأنها لا يمكن أن تعود للزراعة مرة أخرى، مؤكدا أنه في المقابل يجب أن تستمر الدولة في استصلاح أراضٍ زراعية بديلة.

وقال الحريري: "السؤال الآن ماذا بعد؟ لأن التعديات لن تتوقف في ظل عدم وجود ظهير عمراني لقرى مصر البالغ عددها 4400 قرية، وبسبب الزيادة السكانية يضطر الأهالي للبناء في البناء على الأراضي الزراعية وهو الدور الذي يجب أن تقوم به السلطة التنفيذية لمواجهة أي تعديات أخرى".

ومن بين الانتقادات في القانون، تساءل النائب: لماذا تقع الغرامة في التصالح على الساكن ولا تتم على أصحاب شركات العقارات ومن قاموا بالمخالفة الفعلية؟ مؤكدا أن الحكومة تعلم من قام بالمخالفة، ومع ذلك هم بعيدون عن المساءلة والغرامة.

وقال النائب: من أَمِن العقوبة أساء الأدب، لذا فمن المتوقع أن يستمر أصحاب شركات الاستثمار العقاري ورجال الأعمال في البناء المخالف؛ لأنهم لن يتحملوا أي أعباء في التصالح وسيتحملها الساكنون.

نقلا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية