رئيس التحرير
عصام كامل

قلعة صناعية عالمية على أرض مصر.. «فيتو» في زيارة خاصة لمصنع 200 الحربي.. نجح في تحقيق 80% من الإنتاج المحلي خلال 4 مراحل.. وأسطول الدبابات m1a1 يضع القاهرة في الصدارة

فيتو

«مصر تستطيع» تترجم وزارة الإنتاج الحربي هذه المقولة بإنتاج يليق بعظمة ومكانة مصر داخليا وخارجيا، فمنذ أسابيع مضت فاجأنا معرض «إديكس للصناعات الدفاعية» الذي أقيم لأول مرة على أرض مصر بمنتجات حربية أذهلت الجميع، ومن هذه المنتجات العربة المدرعة st100-st500 إنتاج مصري 100%، وتتفوق على أحدث مدرعة في العالم الآن من حيث الصناعة والتكنولوجيا ولها مواصفات عالمية، وجذب الجناح الذي عرضت فيه كل زوار المعرض المصريين والعرب والأجانب.


مصنع إنتاج وإصلاح المدرعات «200 الحربي» التابع لوزارة الإنتاج الحربي الذي يصنع العربة ومثيلاتها، صرح صناعي يدعو التجول داخله إلى الفخر بما تنتجه الأيادي المصرية، لا سيما وأن الإنجازات التي يحققها تنافس مثيلاتها من المنتجات العالمية، بل وتتفوق عليها، ولهذا كان لـ«فيتو» هذه الجولة داخل المصنع.

تلبية المطالب المحلية
وفي البداية أكد اللواء يسري محمود حسن النمر، رئيس مجلس إدارة مصنع إنتاج وإصلاح المدرعات «مصنع 200 الحربي» أن المصنع أنشئ عام 1987، بناء على اتفاقية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية لتصنيع مشترك لدبابة القتال الرئيسية m1a1 واستغرق بناؤه 3 سنوات، وتم افتتاحه عام 1990، كما أوضح أن المرحلة الأولى للتدريب وإعداد الكوادر الفنية داخل مصر وأمريكا كان حتى خروج أول دبابة مصنعة بالكامل داخل المصنع في عام 1992، ومنذ هذا الوقت والمصنع ينتج الدبابة حتى أصبحت مصر تمتلك ثاني أسطول دبابات بعد الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الطراز، ويتم التطوير طبقا للأحدث.

«مصنع 200 الحربي» مر بعدة مراحل خلال 11 عاما لتعميق التصنيع المحلي، تحدث عنها جملة وتفصيلًا اللواء يسري محمود حسن النمر، فيقول في البداية إن أهم ما يمتلكه المصنع هو العامل والفني المدرب الذي لديه سرعة بديهة في تلقى التدريب، بل التجويد في التدريب والتصنيع المتميز، وهو ما أكسبه ثقة بعد تخطي 4 مراحل في الإنتاج، حتى وصل إلى مهارة غير متوافرة حتى في المصانع الأمريكية المماثلة لصناعة الدبابة m1a1، وبناء عليه أصبحت الاتفاقية المصرية مع الجانب الأمريكي تمنح المصنع حق تنفيذ أية تعديلات جديدة على الدبابة طبقا للمهام القتالية، وأصبحنا نخطر الجانب الأمريكي بالتعديلات ثم نضيفها على التصنيع، وهذا يوضح أن العقلية المصرية كمستخدم أو مُصنع تستوعب كل هذه التكنولوجيا وقادرة على الصناعة بمفردها والمنافسة كذلك.

رؤية مستقبلية
وأضاف «يسري» أن هناك رؤية مستقبلية للواء محمد العصار وزير الدولة للإنتاج الحربي منذ توليه الوزارة، والتي تتمثل في أن يكون الإنتاج الحربي مؤسسة صناعية متطورة، تعمل كمصدر رئيسي لتسليح قواتنا المسلحة، وحريصة على تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، ومشاركة في المشروعات القومية في إستراتيجية الدولة 2030، وهذا ما حدث في إنتاج المدرعة st100 –st500 وهي اختراع وتصنيع مصري بالكامل.

وفي حديثه عن المدرعة st100، أوضح أن التقييم الأساسي للمعدة أو المدرعة يتمثل في عدة نقاط، أولا «القدرة على المناورة» وهي السرعة، وعبور العوائق المختلفة على الأراضي الوعرة، ثانيا مستوى الحماية للأفراد، والقدرة على البقاء مؤمنة كطاقم أطول فترة ممكنة حتى التزود بالوقود، ثالثا: قدرتها النارية وامتلاكها للذخائر المختلفة وإمكانية التزويد بعدد من الأجهزة المعاونة كالتشويش أو أجهزة «جي بي إس».

كما تتميز هذه العربة عن مثيلاتها في السوق العالمي بالسرعة العالية في المناورة تصل إلى 140 كم في الساعة، إضافة إلى أنها تحقق الكثير من مستويات الأمان للطاقم، أهمها أنها مضادة للطلقات المدافع عيار 14.5مم وضد التفجير، فجسم العربة مصمم ليتحمل حتى 10 كم تفجير من مادة tnt شديدة الانفجار دون أي إصابة لجسم العربة أو الأفراد بداخلها، كما أن العربة من الممكن تجهيزها في شكل 9 عربات تناسب المهام المختلفة، فجسم العربة مكون من قطعتين «الكاب» وهو القطعة الأساسية المزودة فيها التكييفات والبطاريات وأجهزة التحكم يتم تركيبها على جزء آخر متحرك ولا تحتاج للقدوم إلى المصنع، لأن تركيب العربة صُمم بدقة بحيث لا يستغرق تركيبه سوى 20 دقيقة فقط، والجزء الثاني وهو الكابينة الموجود بها الطاقم، وأهم الطرازات التي يمكن أن تجهز بها العربة (سيارة إسعاف، ناقلة جند، عربة قاذف صاروخي، مقذوفات مضادة للطائرات أو الدبابات، إضافة إلى لعربة إزالة أو رص الألغام الأرضية)، كل هذه الملحقات يتم تجهيز العربة بها طبقا للمهام المكلفة بها داخل مسرح العمليات المشاركة فيها.

متطلبات القوات المسلحة
وأكمل رئيس مجلس إدارة مصنع إنتاج وإصلاح المدرعات «مصنع 200 الحربي» أن وزارة الإنتاج الحربي تعمل في المقام الأول على تلبية متطلبات القوات المسلحة من الأسلحة والذخائر، وعمل الإصلاح والعمرات للمعدات المشاركة في التدريبات وميادين القتال، ثم المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة والمشاركة في المشروعات الصناعية والتنموية والقومية اعتمادا على إمكاناتها التكنولوجية، والمصنع لم يكتف بصناعة الدبابات m1a1 والعربات المصفحة، بل يصنع تصنيعا مشتركا (مصري– أمريكي) لدبابات النجدة الثقيلة m1a2، وتم إنتاج عدد كبير منها لتأمين احتياجات القوات المسلحة من دبابات النجدة التي تعمل داخل الوحدات والجيوش.

كما ينتج المصنع المقطورات الثقيلة حمولة 70 طنا بالتعاون مع شركة «أوشكا» الأمريكية، ثم صممنا وأنتجنا مقطورة جديدة بحمولة 70 طنا بإنتاج مصري 100%، وتفوقنا في الإنتاج على المقطورة التي نصنعها بالشراكة مع الجانب الأمريكي، وقمنا باستغلال ذلك في إنتاج مقطورات ثقيلة مختلفة الحمولة من 29 طنا و40 طنا و50 طنا حتى 70 طنا، ونجهزها طبقا لطلب الجهات المدنية والعسكرية، فالقوات المسلحة تطلب منها الثقيلة التي تحمل عليها الدبابات، والجهات المدنية تطلب منها القلاب أو المجهزة بصندوق أو ثلاجة، ويقوم المصنع بتصنيع خزانات الوقود المختلفة لصالح شركات البترول للمواد الكيمياوية ومختلف السوائل بكافة السعات طبقا للمطلوب من سعة 5 أطنان حتى 500 طن، إضافة لصناعة كوبري الاقتحام والتدخل السريع بحمولة قدرها 70 طنا يصلح لتركيبه على النيل أو على ضفاف قناة السويس.

وأوضح «يسري» أن صندوق «تحيا مصر» يشارك في إنتاج العربات المجهزة للوجبات السريعة التي تقدمها وزارة التضامن للشباب بأسعار مخفضة وبتسهيلات في السداد للقضاء على البطالة بين الشباب، ففي البداية صمم المصنع عربة مكونة من ثلاجة وبوتجاز وفرن وخلاطات وميكروويف، وتم عرضها على وزارة التضامن الاجتماعي، وتم إدخال تجهيزات جديدة عليها نفذناها، وصنعنا منها عددا كبيرا يتناسب مع الشباب من عربات صغيرة محملة على تروسيكل حتى مقطورات كبيرة.

وبدأنا بتصنيع 40 عربة لشارع 306 الذي تم افتتاحه في مصر الجديدة بالقاهرة منذ نحو شهرين، وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتم افتتاح شارع مماثل له في المعادي، قام المصنع بعمل كل التجهيزات الخاصة به، بداية من تصميم السيارات التي سيستخدمها الشباب حتى الديكورات والتجهيزات الهندسية للشارع، بالتعاون مع باقي أجهزة الدولة في المعادي، وهذه السيارات ننتجها لصالح صندوق تحيا مصر دون هامش ربح، تسهيلا على الشباب وللقضاء على البطالة.

خط إنتاج
وأكد اللواء يسري محمود أن المصنع جاهز لتلبية أي متطلبات لمصر كلها وللتصدير، فالمصنع أصبح لديه خط إنتاج لهذه العربات بجميع أنواعها، ولدينا الإمكانيات المؤهلة لتصنيع أي كميات، ولكن المصنع لا يتعاقد مع أفراد إنما هيئات أو مصالح أو شركات، لأن الإنتاج كبير، كما أن المصنع يقدم خدمة متميزة أعلى من الموجودة في المصانع الأخرى المشابهة، وبأسعار منافسة لتوفير فرص عمل مناسبة للشباب، فهناك عربات يستطيع العمل عليها أكثر من شاب يقومون بعمل شركة مساهمة فيما بينهم، ويتقدمون لوزارة التضامن الاجتماعي التي تخاطبنا، وأظن أن الوزارة تقدم تسهيلات كثيرة للشباب لإتاحة الفرصة لعمل مشروعات صغيرة لتحسبن مستوى دخلهم.

«رجال من ذهب»
يعمل داخل «مصنع 200 الحربي» نحو 2500 عامل ومهندس وفني من أمهر العمالة الفنية المدربة بالعالم، وذلك بشهادة الشريك الأمريكي.

بداية قال المهندس محمد بيومي، المدير التنفيذي لخط تصنيع العربة المدرعة st100-st500: أعمل في المصنع منذ 25 عاما، وحضرت لحظة خروج أول دبابة من إنتاج المصنع، وأنا شاهد على هذا الحدث الذي كان نقلة نوعية متطورة في صناعة أول دبابة مصرية، بالمشاركة مع الجانب الأمريكي، وأشعر بالفخر لأنني أشارك في صنع ما يكفي لمتطلبات القوات المسلحة، ويحقق الاكتفاء الذاتي لجيشنا للحفاظ على أمن مصر القومي.

وأضاف: عندما بدأنا إنتاج العربات المدرعة st100 كان هناك شعور مختلف تماما، لا سيما وأنني أنتج منتجا مصريا 100%، وصراحة لا أستطيع وصف السعادة التي تغمرنا والفنيين والعمال مع كل مسمار وقطعة نقوم بصناعتها وتركيبها، شعور فعلا لا يوصف ويدفعنا للعمل بكل طاقة وقوة وحماس، لمزيد من التطوير لمنتج يحمل اسم مصر، ويليق بعظمتها ومكانتها بين دول العالم كله.

في نفس السياق قال محمود فوزي محمد، فني كهرباء: أعمل على ماكينة لحام عازل للأسلاك الكهربائية التي تدخل في الضفائر الخاصة بالعربة st100، وهو موضوع معقد، لكنني أعمل فيه بحب، لأن هذه العربات منتج يحمل اسم مصر، ولي الشرف أن أكون من المشاركين في إنتاجها، ورغم أن دوري بسيط في المنظومة إلا أن هذا لا يمنعني من الشعور الدائم بالفخر.

من جهته أوضح مصطفى جويدة، فني تركيبات أنه «يعمل بالمصنع منذ 12 عاما في تركيب وإصلاح الدبابة m1a1، والآن في ضفيرة st100 –st500 وفي st700 دون أي تدخل أجنبي في المكونات أو السياسات التصنيعية»، وتابع: عملي مبني على التخطيط، أولا يقوم المهندسون بعمل الرسومات الهندسية بأطوال الأسلاك والقطع الداخلية، ونحن نقوم بترتيبها حسب الرسومات بالضبط، ثم نجمعها مع بعض لتكون الضفائر الكهربائية التي تزود بها جسم العربة من الداخل.

أما مصطفى أحمد، فني تفتيش، يعمل بمصنع 200 الحربي منذ 25 عاما فقال: عندما بدأنا العمل في المصنع تم تدريبنا على أحدث نظام لحام في العالم، ويتم تدريبنا كل فترة على الجديد، والتدريب الدائم يصقل خبراتنا من خلال العمل والتدريب المستمر، حتى نواكب أحدث التكنولوجيا في مجالنا الصناعي ونستوعب العمل الموكل لنا من قبل الإدارة، مؤكدا أن العمالة التي تعمل في مصانع الإنتاج الحربي مثلهم مثل الجنود على جبهة القتال، يحملون اسم مصر داخل كل عمل يقومون به، و«أنا سعيد لأنني جزء من المنظومة الوطنية هذه».

ومن داخل أضخم المباني الإنتاجية في مصنع 200 الحربي، وفي منطقة الشرق الأوسط، قال المهندس محسن منصور رئيس قطاع الإنتاج: شيد المبنى على مساحة 550 مترا طولا في 152 متر عرضا، ولا يوجد مبنى مغلق في منطقة الشرق الأوسط، وأهم المنتجات التي ننتجها هنا في خطوط إنتاجنا هي الهياكل المعدنية الكبيرة مثل الهناجر التي تستخدم في التنمية الصناعية والأوناش مختلفة الأحجام، إضافة إلى الألواح المعدنية المستخدمة في إنتاج جسم الدبابات والمدافع والعربات المدرعة، أي أن هذا المكان هو الذي يقوم بإعداد أكبر قطعة في كل المعدات سواء العسكرية أو المدنية وصناعة خزانات الوقود المحمولة على السيارات والمدفونة تحت الأرض، والمبنى مصمم بحيث يكون الضغط الجوي في الداخل أعلى من الخارج ليحمي الأجهزة والمعدات من التراب ولا يعرضها للصدأ.
الجريدة الرسمية