جلال الدين الحمامصي يكتب: أزمة ثقة
في مجلة الإذاعة عام 1955 كتب الكاتب الصحفى جلال الدين الحمامصى "مواليد 1913، ورحل في مثل هذا اليوم عام 1988" مقالا تحت عنوان (أزمة ثقة) يقول فيه:
تعانى بعض طبقات هذه الأمة أزمة ثقة يجب التخلص منها، لأنها أزمة ثقة بنفوسنا، وبقدرتنا على احتمال الأعباء والنهوض بها، أو بمعنى آخر أزمة ثقة بقدرتنا على الكفاح والمضى به إلى غايته التي نرجوها ونعلق عليها كبار الامال.
ولقد ساءت نفسى عن العلاج لهذه الأزمة المستعصية التي انعقدت في نفوسنا منذ سنوات طوال، وأصبحت تعوق تفكيرنا عن كل اتجاه سليم.
ساءت نفسى عن الطريق لعلاج هذه الأزمة وكيف تمكن استعادة الثقة بأنفسنا والايمان بقدرتنا على الكفاح واحتمال التبعات.
ثم تتبعت ما يجرى في مصر اليوم من أحداث فعرفت أننا قد بدأنا فعلا طريقنا إلى العلاج.
إن منشأ هذه الأزمة يرجع دون شك إلى أمرين أولهما الاحتلال وثانيهما الحكم الفاسد الذي عانت منه مصر الكثير، والذي كان هدفه وغايته أن يظل قائما جاثما على صدر البلاد.
وقد تخلصت مصر من الحكم الفاسد القديم، وبدأت تحكم نفسها بنفسها على أساس الاعتراف بحق الفرد واحترام ذاته، ثم وقعت مصر اتفاقية الجلاء وبدأت تتخلص من جنود الاحتلال على دفعات.
وهذا دون شك سيجعل طريق الثقة بأنفسنا واضحا أمام أعيننا بعض الوضوح، وأقول بعض الوضوح لأنه ما زال أمامنا جيوب لن نتخلص منها إلا بعد الانتهاء من المحاكمات التي تجريها محكمة الشعب على مرأى ومسمع من الرأى العام.
أوضح من شهادة الشهود أمام هذه المحكمة بل ومن شهادة المرشد العام للإخوان المسلمين أن هذه الجماعة كانت تقوم على إهدار قيمة الفرد وإخضاعه لكل ما يصدر إليه من أمر، حتى ولو كان أمرا بالاغتيال والقتل والتخريب، ولم يكن لفرد ألقى إليه هذا الأمر أن يعقب أو يناقش أو يعترض بل كان عليه أن يسمع ويطيع ويلغى إرادته وإلا عرض نفسه للقتل.
هذه الجماعة ـــ جماعة الإخوان، كانت إلى عهد قريب تقوم بهذا التوجيه الشاذ الذي لا يرضاه دين ولا شريعة، جانبا كبيرا من جوانب الأمة.
وبهذا التوجيه الشاذ وغيره نشأت عند هؤلاء وأولئك أزمة الثقة بالنفس والاعتداد بالذات، ومن ثم يتحتم علينا بعد الفراغ من هذه المحاكمات أن نتجه إلى علاج البقية منهم حتى نخلق منهم مواطنين صالحين ذوي رأى مستقل وإرادة حرة.
