رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هاني ميلاد حنا: والدي تعلم المحبة بشوارع شبرا.. وكان يشتري «حلاوة المولد» كل عام

فيتو

  • سعدت باختيار "الأعمدة السبعة" عنوانا لمنتدى الشباب.. والروح المصرية أصابها الفقر بعد عزلها عن جذورها التاريخية
  • أعوام مبارك العشرة الأولى كان عنوانها "التنمية الاقتصادية" والعشرة الأخيرة كان عنوانها "السعي إلى التوريث"
  • خلال اعتقالات سبتمبر رفض البقاء مع الأساقفة في زنزانة واحدة.. وفضل السجن مع زملائه السياسيين
  • والدى لم ينل التكريم الكافي بالداخل


قال المهندس هاني حنا، نجل المفكر الكبير ميلاد حنا: إن والده تعلم المحبة في شوارع شبرا، مشيرا إلى أن نشأته في الحي العريق أثرت في شخصيته، وانعكست على تعاملاته مع الآخرين خصوصا جيرانه، وأضاف أن والده كان يشارك بشكل مستمر في الاحتفالات والمناسبات الإسلامية ومنها المولد النبوي، مشيرا إلى أنه كان يحضر لأسرته "حلاوة المولد"، وأبدى حنا الابن سعادته باختيار كتاب والده الراحل "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" عنوانا لمنتدى الشباب الأخير، مشيرا إلى أن والده أثري الحياة الثقافية بأفكاره الراسخة عن أهمية قبول الآخر، وإيمانه العميق بتفرد تركيبة الشخصية المصرية التي تكونت عبر آلاف السنين، حيث تشبعت خلالها بألوان مختلفة من الثقافات والحضارات، أكسبتها بصمتها الخاصة التي لا يمكن تزييفها أو تقليدها.. وإلى نص الحوار: 

دعيت لإلقاء كلمة في منتدى الشباب، بعد اختيار موضوع كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" أحد محاور فعاليات المنتدى لعام 2018، فما كواليس ذلك؟
علمت ذلك في البداية من خلال شباب حزب التجمع، ثم تلقيت اتصالا من القائمين على المنتدى، ودعونى لإلقاء كلمة في أحد أيام المنتدي، للحديث عن موضوع كتاب والدي، باعتباره رسالة تخدم هدف المنتدى، ويبدو أن محتوى الكلمة كان جيدا كفاية لتقديمها خلال حفل الافتتاح، وهذا تكريم وتقدير عظيم لذكرى ميلاد حنا، وهنا يجب أن نشيد بتنظيم المنتدى، وما حققه من إنجازات تتمثل في توجيه رسائل للعالم، تخدم الداخل المصري في ظل ما تعيشه المنطقة من صراعات، لذلك أعتقد أن اختيارهم رسالة هذا الكتاب بالذات عنوانا للمنتدى فكرة في منتهى الذكاء ومناسبة للمرحلة، ونحن في أمس الحاجة لتسليط الضوء عليها الآن.

يتناول كتاب الأعمدة السبعة التراكمات الحضارية لدى الشخصية المصرية عبر التاريخ، فإلى أي مدى انسلخ المجتمع عن جذوره الحضارية؟
المجتمع مريض، نحتاج إلى وقفة لنعترف بذلك، حتى نتمكن من تشخيصه والعمل على علاجه، ووقف توريثه إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن هذا الوضع غريب عن فطرتنا الأصلية، وأعتقد أنه في كتاب الأعمدة السبعة روشتة إصلاح، فلا نحتاج إلى استيراد العلاج من الخارج، بل يمكن استلهامه من طبيعتنا وتاريخنا.

غالبية الجوائز التي حصل عليها ميلاد حنا عالمية فهل تعتقد أن مؤلفاته لم تلق الاهتمام الكافي محليا؟
أعتقد أن أعماله فرضت نفسها على الساحة وقتها، حتى وإن لم ينل التكريم الكافي بالداخل، والدليل على ذلك وسام «النجم القطبي» بدرجة كوماندوز الذي ناله من ملك السويد، باعتبار أعماله رسالة سلام وتعايش، بما يتلاقي مع أفكارهم واهتماماتهم، أما بالداخل فقد كانت سياسة الدولة المصرية في تسعينيات القرن الماضي -رغم قوتها- تسير في اتجاه مخالف، وتسيطر على الساحة السياسية تيارات متضاربة ومتعارضة، وكان ميلاد حنا وآخرون مدركين لتلك التناقضات، وكافح من خلال أعماله من أجل نشر فكرة قبول الآخر، ووقف الصدامات والصراعات الفكرية مع بعض التيارات الدينية، وعلى رأسهم الإخوان، الذين استطاعوا في ذلك الوقت تحقيق مكاسب سياسية بعد تصالحهم مع الدولة.

هل تصادمت أفكار ميلاد حنا مع سياسات حسني مبارك وقتها؟
لم يكن صداما بالشكل الصريح، ولكنه لم يمثل الخط السياسي للدولة آنذاك، وبالتالي لم تتبناه الدولة، والدليل على ذلك، كان هناك مقترح جاد تم طرحه ومناقشته في الدوائر المعنية، بشأن تحويل كتاب الأعمدة السبعة للشخصية المصرية إلى كتاب مدرسي لتعريف الجيل الجديد بأصوله وجذوره التاريخية، إلا أنه تم وقف هذا القرار ومقاومته، بل ونشر أفكار معادية ومخالفة تماما لرسالته، وهذه القضية لا أعنى حصرها في شخص ميلاد حنا بل في توجه عام تم تبنيه، وأدي إلى ما آلت إليه الأوضاع الآن، حيث أفقر الروح والشخصية المصرية وعزلها عن جذورها التاريخية.

قاسم مشترك يجمع غالبية أعمال ميلاد حنا، يتمثل في تسليط الضوء على قضية التعايش وقبول الآخر، فما الدافع وراء ذلك؟
نشأ والدي في شبرا، وهو حي ذي طبيعة خاصة، غالبية من يعيشون به من أبناء الطبقة المتوسطة، يتميز بالتنوع والانفتاح على الأفكار والثقافات المختلفة، ويسر في التعاملات بين الأسر وبعضها البعض، في تجسيد واضح وقوي للطبيعة المصرية الخالصة، ظهر ذلك في التعايش والإخاء بين المسلمين والمسيحيين، وكثيرا ما روي والدي سواء في كتبه ومقالاته وحتى أحاديثه مواقف طيبة تجمعه هو وأسرته بجيرانه في السراء والضراء، وقد شب على تلك القيم والأفكار، فكان من الطبيعي أن يرفض كل ما يخالف تلك الطبيعة السوية سواء من الخارج أو من الداخل، فقد برهن في كتابه قبول الآخر خطأ نظرية صراع الحضارات للكاتب صامويل هنتنجتون، وأثبت أن الحضارة لاتمنع الحادثة ولا تصطدم بها، بل هي إرث عظيم، وأحد أسرار ثراء التراث الإنساني، وقد عانينا من تلك النظرية، ورأينا تجسيدها من خلال التيارات الظلامية التي أقدمت على هدم المعابد والآثار في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.

في مقدمة أحد كتبه، أشاد والدك برفضك إغراءات الاستقرار خارج مصر، فإلى أي مدى ألهمتك رسالته في الحياة؟
عام 1992 رفضت الاستقرار في كندا، وقررت العودة إلى مصر، وهذا القرار أدخل السعادة إلى قلبه، باعتبار قراري هذا ترجمة لتأثري بـ"الأعمدة السبعة" وتفضيلها على كندا، والحقيقة أن والدي كثيرا ما عزز هذا الشعور لدينا منذ الطفولة، فأذكر أننا دائما ما كنا نحتفل ونلعب مع أولاد الجيران في العيد ورمضان وغيرها من المناسبات، كما أعتاد أبي أن يشتري لنا حلوي المولد، وكان يؤمن بأن "العروسة والحصان" تجسيد لتأثر المصريين بالتراث القبطي، فالعروسة تمثل العذراء، والحصان لماري جرجس، والدليل على ذلك أنه لا توجد دولة إسلامية تحتفل بالمولد النبوي على طريقتنا، كل ذلك يلتقي مع شعوري بالسعادة الحقيقية، وأنا أنفذ أي مشروع مهما كان صغيرا يفيد الناس، فالعمل في مصر يشعرني بالسعادة بجانب العائد المادي، أما العمل بالخارج فعائده مادي فقط، وهذا ليس كافيا بالنسبة لي مهما كان حجمه، لذلك قررت البقاء في مصر ولست نادما على ذلك.

ما تفاصيل اعتقال ميلاد حنا في عهد السادات على خلفية أحداث الفتنة الطائفية عام 1981؟
خلافه مع الرئيس الراحل أنور السادات فكري ومنهجي، فند أسبابه في كتاباته ومقالاته، نستطيع تلخيصه في أن السادات زرع بذرتين، هما الفساد والتطرف، وارتويا وتأصلا في عهد مبارك وجني ثمارهما الشعب المصري على مدار الأعوام الماضية، فانتهى الأمر بسجنه عقب أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء، وتم احتجازه مع الأساقفة المقبوض عليهم في مكان مخصص لهم، وكنا ننتظر مقابلته في مكتب المدعى الاشتراكي وننتظر بالساعات، لنجالسه 10 دقائق فقط، وأذكر أنه احتج بشدة على بقائه مع الأساقفة، باعتبار ذلك تمييزا وطائفية، وطالب بنقله إلى السجن مع زملائه المقبوض عليهم من السياسيين، رافضا تصنيفه كقبطي، وقال لهم "إن كنا كأقباط ومسلمين مذنبين أمام القانون فلنكن جميعا في سجن واحد، ونعامل معاملة واحدة"، وتزامن احتجاجه ذلك مع اغتيال السادات، فتمت الموافقة على مطلبه، وتم نقله إلى سجن المزرعة، تك الواقعة إن دلت فإنها تدل على الفكر الطائفي الذي كان سائدا ومسيطرا في هذا الوقت على المؤسسة الأمنية والنظام، والتفريق بين الناس على أساس ديني.

بعد الإفراج عنه مع باقي المعتقلين، دعاهم حسنى مبارك إلى القصر الرئاسي، فما كواليس تلك الزيارة؟
اجتمع بهم مبارك، والتقطوا صورة تذكارية، وفي لفتة إنسانية منه خص والدي بالسؤال عن سبب إصابته، وتسأل إذا أسيئت معاملته داخل السجن، فنفى والدي ذلك، وأكد له أنه أصيب بكسر في ذراعه نتيجة سقوطه خلال فترة التريض داخل السجن.. وكان خروجهم جميعا من السجن نتيجة مصالحة عقدها النظام مع القوى السياسية، والتراجع عن الاتجاه الطائفي الذي كانت تسير به الدولة بقيادة السادات، واستمرت تلك المرحلة نحو عشرة أعوام، قاوم خلالها نظام مبارك التيار الديني أمنيا وعسكريا، والجهاز الأمني دفع دماء كثيرة في مواجهة الإرهاب، وفي العشرة الأعوام التي تليها كان عنوانها التنمية الاقتصادية، والعشرة أعوام الأخيرة كان عنوانها "السعي إلى التوريث"، فسعى النظام إلى عمل مواءمات سياسية مع الإخوان، وقبول المراجعات الدينية للعناصر الإرهابية، وذلك مقابل إتمام عملية التوريث بسهولة.

مؤلفاته كانت حاضرة في أهم الأحداث الداخلية والعالمية، فلماذا توقف عن الكتابة لسنوات قبل وفاته؟
مع حلول عام 2005، ظهر على الساحة السياسية مجموعة عرفوا أنفسهم بـ"جيل المستقبل والفكر الجديد"، التفوا حول جمال مبارك وساعدوه في إعداد الساحة للتوريث، هؤلاء رفضوا ونبذوا الأفكار "القديمة" وأصحابها، باعتبارهم أصحاب الأفكار الجديدة، والتي كانت واحدة من إرهاصاتها التعاون مع التيارات الإسلامية، ومن هنا بدأت تلك التيارات في السيطرة شيئا فشيء، لأن رجال جمال مبارك لم يقدموا فكرا جديدا حقيقيا، تزامن ذلك مع تقدم والدي في العمر، فكان التوقف نتيجة حتمية، فمن المستحيل أن يظل يحارب لآخر عمره، وفي نهاية الأمر كتبه ومقالاته باقية، وستحيا عمرا أطول من أعمار من حاربوه، لتشهد على صحة ما حذر منه يوما.

جمعته بالإخوان قنوات اتصال عبر مشواره السياسي، فكيف كان يرى المشهد بعد وصولهم إلى سدة الحكم، وبماذا تنبأ قبل وفاته ومصر على أعتاب ثورة 30 يونيو؟
بالفعل جمعته لقاءات مع بعض رموز الإخوان المسلمين أبرزهم مهدي عاكف، حيث واظبوا على حضور الندوات واللقاءات التنويرية التي كانت تنظمها جمعية الشبان المسيحيين، وجمعه بهم فكر مشترك واحترام متبادل، باعتبارهم فصيلا سياسيا مؤثرا، وغير ممارس للأنشطة المسلحة، وهذا ما فرضه الواقع السياسي وقتها، وبعد وصولهم للحكم كان يدرك ميلاد حنا أن بقاءهم في السلطة لن يطول، فأفكارهم تخالف طبيعة الشعب المصري، الذي لا يقبل التقسيم بناءً على الدين، تلك أسس راسخة في وجدان المصريين، كما أن الإسلام المصري له خصوصيته، ولا يستقيم مع الشخصية المصرية الإسلام الموجود بأي دولة أخرى، علاوة على ذلك لم يؤمن والدي يوما بأن الثورات وسيلة لتحقيق الأهداف، فرأي أن الإصلاح يتأتى من خلال العمل الدؤوب في شتى المجالات، وباتخاذ خطوات حقيقية، يوما بعد يوم، حتى وإن طال الوقت.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...
Advertisements
الجريدة الرسمية