رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«من ابن حميدو لحكايات الغريب».. بيت المساجيري أقدم مباني السويس خارج الخريطة الأثرية

فيتو

قد لا تعيره انتباهًا إن مررت بجواره، بيت ضخم قديم، مر عليه الزمن، وألقى على واجهته وجدرانه الخارجية ترابًا نال من رونقه، لكنه لم يتمكن من النيل من شموخه.


بيتٌ على كورنيش السويس القديم، يبدو أنه كان يعلوه برج شاهق، تبقى منه سارٍ خشبي بالٍ، يطل والبحر على بعضهما البعض منذ أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان، فالبيت أحد أقدم البيوت التي شُيدت بمدن القناة الثلاث السويس، الإسماعيلية، وبورسعيد.

مدخله من الشارع الخلفي، باب كبير يُفضي لبهوٍ وطفلين يلعبان بغير كرة، ولد وبنت، أشرت إليهما فاقتربا مني، سألتهما فأجاب الولد بابتسامة تدل على ألا معلومات لديه، ولكن تؤكد أن لديه من الفخر ما يضفى على الوجه الابتسامة، قال: "ده بيت المساجيري.. وصاحب البيت فوق".. وأشارت البنت إلى زر كهربائي متصل بجرس ما إن ضغطته حتى سمعت صوتًا مصدره شرفة علوية: "اتفضلوا". 

بداية من درجات السلم الأولى يهاجمك عبق ما رائحة تاريخ لن تعرف مصدره، إلا حين تصل لنهاية السلم، ويستقبلك رجل ستيني نوبي وقور، يصطحبك لغرفة جلوس مزجت بين أصالة التاريخ وشياكة العصر، ويُجلسك إلى جواره على أريكة مواجهة لحائط مزين بصور فوتوغرافية، توثق زيجات أبناء وأحفاد خرجوا من هذا البيت الأثري.

يقول الحاج عامر عبد الله صاحب االـ65 عامًا: إنه يسكن هذا البيت منذ زمن طويل، ولد فيه هو وأخوه الذي يكبره بخمسة أعوام، وأنهما يُعتبران الجيل السادس لجدهم الأكبر عبد القادر قاسم، الذي سكن هذا البيت، وكان مقر عمله قبل حفر قناة السويس، حيث كان يعمل مع الشركة الفرنسية، "والدي دخل هذا البيت عام 1906 خلفًا لوالده.. جدي"..

وأضاف الحاج عامر أن شركة النقل عبر المحيطات هي مالكة البيت، وهي التي فوضته لجمع الإيجارات من مستأجري المخازن الموجودة في الدور الأرضي، والأسر الثمانية التي تسكن البيت، على أن يضع القيمة الإيجارية في الحساب الخاص بالشركة الفرنسية.

وكانت الشركة الفرنسية قد أسست هذا المقر لمتابعة حركة السفن، وليكون استراحة لتجار التوابل الهنود والصينيين، ويقول الحاج عامر، إن الفرنسيين أسسوا هذا المقر ليكون مركزًا لنقل الأفراد والبضائع من أوروبا لمستعمراتهم في الشرق.

وعاد الحاج عامر بذاكرته لسنوات طويل، وابتسم وهو يحكي لنا عن أسرة فيلم «حكايات الغريب» على رأسهم أحد أهم أفراد المقاومة الشعبية الكابتن غزالي، والفنانان محمد منير وشريف منير ومحمود الجندي والمخرجة إنعام محمد على وغيرهم، حيث أقاموا في بيت المساجيري لما يقرب من شهر وصوروا فيه مشاهد من الفيلم الذي أرخ لفترة مهمة من تاريخ السويس، ولم يكن فيلم حكايات الغريب هو العمل الفني الأول الذي يطل من خلاله بيت المساجيري على المشاهدين.

حيث روى لنا الرجل النوبي ذو الابتسامة المميزة عن ابن البلد الفنان إسماعيل يس الذي صور أحد مشاهد فيلم «ابن حميدو» بنفس المكان، وعرف منذ وقتها بيت المساجيري ببيت «الباز أفندي» في إشارة لشخصية الفنان الراحل توفيق الدقن.

تاريخ البيت
يقول المؤرخ السويسي أنور فتح الباب:"ارتبطت مدينة السويس عبر تاريخها منذ عصر الأسرة الخامسة الفرعونية حتى عصرنا الحديث بحركة التجارة العالمية، وتوسعت الأنشطة الاقتصادية عبر العصور البطلمية والرومانية والمملوكية والعثمانية حتى عصر محمد على، حيث دارت المنافسة بين إنجلترا وفرنسا حول طريق التجارة للهند وجنوب شرق آسيا لنقل الركاب والبريد، ونجح ضابط إنجليزي بسلاح البحرية يدعي توماس فليشر واجورن بإنشاء شركة لنقل البريد عبر بومباي– السويس– الإسكندرية موانئ بريطانيا.

وفي نفس الأثناء أنشأت شركة إنجليزية أخرى منافسة هي ريفن وهل Ravan،hill كانت تقوم بنقل الركاب وأمتعتهم بين القاهرة والسويس بعربات تجرها الخيول.

وفي نفس الوقت التحقت فرنسا بالمنافسة عام 1862 التي سبق لها العمل في الجزائر والبحر الأسود، وكلمة المساجيري مارتيم تعني البريد البحري ، ونشأت في بداية عملها بمصر باسم المساجيري امبريال ثم غيرت اسمها للمساجيري مارتيم، وأنشئت في مواجهة ميناء السويس القديم في منطقة السلمانية، وحصلت على امتياز توصيل البريد للهندوستان وكوشان والهند/ الهولندية (إندونيسيا).

وفي 1864 حصلت الشركة على 9090 مترا خارج نطاق السويس لإنشاء مساكن للعمال، وتم إسكان 200 عامل بها، كما أنشأت مستشفى قام على رعايته راهبات دير الراعي الصالح، لكن مع افتتاح القناة بدأ عمل الشركات الثلاث في التدهور، وتوقفت شركة المساجيري عن العمل عام 1878، وما لبثت أن بيعت ممتلكاتها لشركة فرنسا عبر البحار التي استخدمتها في الخدمات البحرية حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتأميم المصالح الأجنبية، فانكمش عمل الشركة ولكن مبني المساجيري ما زال في ملكية هذه الشركة التي وضعتها تحت رعاية مصريين للحفاظ عليها وعلي منشآتها.

الوضع الحالي
شهدت السويس في الأعوام الأخير حملة قادها نشطاء استنكارًا لعدم وجود بيت المساجيري على الخريطة الأثرية المصرية لأسباب غير واضحة، وكان محافظ السويس الأسبق اللواء أحمد الهياتمي قد شدد على ضرورة إعداد تقرير بالوضع الأثري للبيت لمخاطبة وزارة الآثار، ولم يتم حتى الآن تحديد مصير بيت المساجيري الذي قارب  على أن تطوله يد الإهمال التي عبثت بقصر محمد على الأثري الذي يبعد عنه أمتار.
Advertisements
الجريدة الرسمية