رئيس التحرير
عصام كامل

محمود أبو حبيب يكتب: سفينة الأزهر المبحرة في الداخل والخارج

محمود أبوحبيب
محمود أبوحبيب

ودعنا قبل أيام عام ٢٠١8، كحلقة من حلقات التاريخ، الذي يشهد على الأفراد أيا كان موقعهم، أو المؤسسات مهما كان دورها، والأزهر من أعرق المؤسسات الوطنية، الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، والممتدة أغصانها لكل ربوع الدنيا، أبت هذه الحلقة أن تنقضي إلا بإنجازات ونجاحات عظيمة لا يغفلها منصف، وقد شهد العالم وأقر بأن إنجازات الأزهر راسخة على أرض الواقع، أرض الوطن والسلام العالمي، ما جعل طلاب إندونيسيا يرددون النشيد الوطني المصري عند استقبالهم لفضيلة الإمام خلال زيارته لبلادهم في مشهد مهيب كان بمثابة جوهرة على تاج الدولة المصرية.


أراد شيخ الأزهر أن يحاجج التاريخ نفسه، عندما ذهب إلى قلعة وندسور في بريطانيا ليلتقي ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، ثم يدشن "منتدى شباب صناع السلام"، حيث نادى فضيلته من هناك بنداء السلام الذي يسعى من أجله أينما حل وارتحل، وردده خلفه حشد من شباب الشرق والغرب جمعهم الأزهر في بريطانيا، ليزرع فيهم بذور التعايش، وليحملوا رسالة السلام إلى أوطانهم، ما جعل رئيس البرتغال يحرص على الحضور لمصر تقديرًا لأزهرها، ولإلقاء محاضرة في جامعة الأزهر أعرق جامعات الدنيا.

«كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون» كانت هذه صرخة الإمام الأكبر في دعمه للقضية الفلسطينية، عندما رفض طلب لقاء نائب الرئيس الأمريكي، هذه الصرخة التي استجاب لها ممثلو 80 دولة، في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، نطقوا جميعا بلسان الحق أن القدس عربية وستظل عربية، ليؤكد الأزهر للعالم أن دور مصر في القضية الفلسطينية لن يتغير على مر التاريخ.

كما لم تكن القضايا الداخلية بمنأى عن قلب الأزهر، بل أنصب عليها جل اهتمامه، فلم يتوقف لحظة عن دعمها، وكانت القضايا الفكرية كقضية التجديد محور اهتمام بالغ، ما جعل هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، تعقد ملتقيا شهريا لمناقشة قضايا الشباب، وتدعو لمؤتمر عالمي حول التجديد، فيما قام مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، عين الأزهر الناظرة على الخارج، بملاحقة الجماعات التكفيرية ورصد شبهاتهم بـ11 لغة، وبينما مركز الأزهر للترجمة يقوم بترجمة سلسلة كتب "حقيقة الإسلام" إلى 13 لغة، وترجمة معاني القرآن الكريم إلى 4 لغات.. بالتوازي مع قيام مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية بالإجابة على 56 ألف فتوى وسؤال شرعي بـ4 لغات.

ولاقت القضايا الاجتماعية اهتماما كبيرا من الأزهر، حرصا منه على دعم استقرار المجتمع فأصدر بيان التحرش لوأد أسبابه، واقتلاع مبرراته من عقول الشباب، ودعم استقرار الأسرة، وإعادة بناء جسور من التواصل بين عنصريها "الزوج والزوجة" من خلال مبادرة "وعاشروهن بالمعروف".

سفينة الأزهر المبحرة في الداخل والخارج، لم يفوتها هؤلاء المحتاجون الذين نالت منهم الظروف، فلم تترك شاطئا حطت عليه إلا وبحثت عنهم وقدمت إليهم يد العون، فجابت قوافل الأزهر الطبية والإغاثية ربوع مصر، وأفريقيا، وآسيا، لتقوم بدورها تجاههم، وتقدم لهم العون على اختلاف أجناسهم وأديانهم، دعما للقيم الإنسانية.

لقد كانت رحلة الأزهر خلال عام 2018 غاية في الثراء، ما جعل الكل يصدح بدوره في الداخل والخارج، كمؤسسة فكرية ودينية، يجد فيه القاصي والدني مطلبه، وما زالت الأيام تدور والتاريخ يشهد والأزهر منذ ألف عام وأكثر يصل حلقاته، لتمتد سلاسل الأزهر عبر التاريخ تضيء صفحاته، وتشع نورا من مصر للعالم.
الجريدة الرسمية