رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فتحي غانم يكتب: الوصولية.. وباء اجتماعي

فتحى غانم
فتحى غانم

في مجلة روز اليوسف العدد 1558 عام 1958 كتب الكاتب الصحفي فتحي غانم مقالا قال فيه: "جملة شائعة بيننا إلى حد مخيف تقول فلان وصل، يا بخته ما خلاص وصل، يسأل عننا ليه ما خلاص وصل.


الوصول يعنى بلوغ الشهرة والمجد أو الحصول على الثروة الضخمة أو المركز الكبير، والوصول يعنى تحقيق الحلم الشخصى الذي يداعب خيال كل فرد منا.

إن مبدأ الوصول المنتشر بيننا هو في حقيقته وباء اجتماعي، ولنتأمل قليلا معنى كلمة وصول.. إنها تعني ببساطة أننا نعيش كما لو كنا في محطة سكة حديد تنتظر القطار وهو قادم إلى المحطة، وما نكاد نلمحه يصل حتى نتدافع نحوه ويسقط بعضنا تحت الأقدام فندوسه، ويسقط بعضنا تحت عجلات القطار فيتمزق جسده إلى أشلاء، ولا نهتم بكل ذلك إنما المهم أن يشق الواحد منا طريقه وسط الزحام يضرب كل من يقف في طريقه بلا رحمة أو شفقة.

والسعيد منا هو الذي ينجح في القضاء على أكبر عدد من الآخرين يسقطهم تحته ويسير بحذائه فوق أجسادهم ويصل إلى القطار ويركبه، وبعد ذلك ينظر إلى كل من حوله نظرة تعالى وكبرياء.

ويتنهد كل من فاتهم القطار ويمصمصون شفاههم في حسرة ويقولون في مرارة فلان وصل، وفلان لم يركب القطار، هذه هي حياتنا بلا رتوش ـ إنها بشعة تشبه صورة الحيوانات المفترسة في الغابة التي تأكل لحوم بعضها بعضا.. هذه هي حياتنا دون أدنى مبالغة.

أن تعبير القطار ليس صورة أدبية من عندي لكنها صورة أنقلها من كلام الناس وخيالهم وما عليك إلا أن تجلس وسط أي فئة من الناس، وستجد شلة من كل فئة وناس من كل مهنة تتحدث عن الذين وصلوا والذين فاتهم القطار.

يفكر كل فرد في هذه الشلة، وفي اليوم الذي تجيئه الفرصة فيترك شلته التي يجلس معها ويعانى معها العذاب ويجرى ليقفز من القطار ليركب الكاديلاك.

هذا النوع من التفكير تجاه عند أفراد كل مهنة وكل فئة، تجده عند المحامين والأطباء عند الصحفيين والموظفين الذين لا هم لهم سوى ترديد سيرة زملائهم الذين وصلوا.

وقد حددت الطبقة المتوسطة بالذات كميدان خصب يفتك فيه وباء الوصولية لأنها بطبيعتها هي الطبقة التي لا نشعر بوجودها، فهي تتعب وتشقى ولا تستريح.

انفى رأس كل فرد في الطبقة المتوسطة مدخنة يتصاعد منها الحلم كما يتصاعد الدخان من مئذنة الفرن، ويلازم هذا الحلم كل منا في كل خطوة من حياته، يعيش حياته في بيته وعمله ومع زوجته منتظرا اليوم الذي سيجيء فيه القطار.. عندئذ يصل إلى البيت المطلوب.

وطبيعى أن المجتمع إذا ساده التفكير الوصولى أصيب بانهيار وتفكك، وتعرقل تطوره، أن الوصولية تجعلنا نفقد القيم الحقيقية للأشياء فتصبح حياتنا بلا معنى".
Advertisements
الجريدة الرسمية