رئيس التحرير
عصام كامل

حسني هداهد وحكاية 80 سنة طموح.. أوقف «عبد الناصر» في كمين و«نصب» للسادات «صوان»

فيتو

«الطموح لا يعترف بالسن».. قاعدة أكدها حسني مهدي هداهد، صاحب الـ80 عامًا، بعدما قرر تحقيق حلمه في الحصول على أعلى الدرجات العلمية في أي سن، فهو يؤمن أن التعليم حق له وواجب عليه أن يتعلم ما دام قلبه ينبض.


الرحلة لم تكن سهلة، لا سيما وأن صاحبها كان رجلًا يوصف بـ«المُسن»، وفي التقاليد والعادات فإنه من الغرابة أن يقبل شخص في الثمانين من عمره على استكمال تعليمه، وعن تفاصيل الأيام تلك قال «حسني»: «عندما تقدمت بأوراقي لجامعة طنطا للالتحاق بالتعليم المفتوح لاستكمال تعليمى، والحصول على ليسانس آداب قسم لغة عربية فوجئت بالعاملين هناك يسخرون منى، قائلين هتعمل بالشهادة إيه يا حاج بعد ما وصلت للسن ده.. وهنا التزمت الصمت تماما حتى حققت هدفي».. بهذه الكلمات تحدث عم حسنى كما يلقبه أهل قريته.

«حسني» المقيم، في التلين مركز منيا القمح بالشرقية، أكمل حديثه: «نشأت في منزل ريفي بسيط مع شقيقي الأكبر الذي تكفل بي بعد وفاة والدى، وكان من رجال الأزهر الشريف، وكان من زملاء الدراسة وأصدقائه الشيخ محمود أبو هاشم، والإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوى، أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث، منذ الصغر كنت أتابعهم في ندواتهم وجلساتهم وفي جدهم وهزلهم، وأصغي إلى حديثهم وأستلهم ما يقولون وأفكر فيما يعرضون».

وتابع والابتسامة تعلو وجهه: «في تلك الفترة عشقت الشعر فأحببت كتابته ولكننى لم أفصح عن ذلك، وكنت أقول لشقيقي إنها أشعار خاصة بأحد أصدقائي وأريد ملاحظاتك عليها، دون أن يعلم أنها من تأليفي»، وواصل: التحقت بمعهد المعلمين بالزقازيق (نظام حديث) عام 1958 في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وحصلت على الدبلوم، ثم توفي شقيقي في تلك الفترة، وسافرت إعارة إلى المملكة العربية السعودية ومكثت هناك نحو أربع سنوات ونصف العام، حيث كان ينتهى العمل بعد الظهر، ووجدت هناك متسعا من الوقت لكتابة أشعارى بعد وفاة أخي وكتبت العديد من الأشعار حتى حصلت على جائزة الأمير خالد الفيصل في الشعر وبدأت أشارك في المناسبات.

«عم حسني».. التقط أنفاسه، وواصل: «بعد عودتي من الإعارة توليت مسئولية النادي الأدبي بمركز منيا القمح ثم المحافظة، وألفت 8 كتب منها 7 على نفقتى الخاصة، وكتاب وحيد على نفقة وزارة الثقافة، وعن فكرة استكمال تعليمه، أشار إلى أنها راودته منذ 3 سنوات، وعرض الموضوع على أبنائه الذين أبدوا سعادتهم بذلك، وقدموا أوراقه للالتحاق بكلية الآداب جامعة طنطا، وحصل على ليسانس آداب قسم لغة عربية تقدير جيد مرتفع، وهو في سن الـ79 ثم جامعة المنصورة، واجتاز بنجاح السنة النهائية للماجستير في الآداب في نفس العام، تمهيدا لمناقشة الرسالة خلال 3 أشهر على أقصى تقدير «إن شاء الله سأكمل الدراسة حتى الحصول على الدكتوراه لو كان في العمر بقية».

ويحكى الرجل الثمانينى بعض المواقف التي تعرض لها مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات قائلا: «عام 1956 التحقت بالدفاع الشعبي، وأثناء فترة حراستى عند مدخل الزقازيق، وتحديدا قرية شرويدة، حيث كنت أحمل بندقية (303) وكانت المهمة المكلف بها هي معارضة السيارات التي لا تضع اللون الأزرق على الفوانيس في ذلك الوقت، مرت سيارة وقمت باستيقافها واستجاب قائدها الذي كان يرتدى بدلة ميري برتبة صول، وفي المقعد الخلفي يوجد شخص فقط.. فوجهت له سؤالا «أنت ليه مش داهن السيارة باللون الأزرق فطلب منى التحدث مع الشخص الجالس خلفه، والذي قام بدوره برفع الزجاج، وفوجئت أنه الرئيس عبدالناصر" ومن صدمة الموقف لم أعط له التحية العسكرية ونظر إلى قائلا: أنت واقف بتعمل إيه هنا، فأجبته بالنص« أنا طالب بمعهد بالزقازيق وضمن الدفاع الشعبي وبأمن المكان" وقال لي «عاوز أروح بورسعيد أوصف لي أفضل طريق..فوصفت له طريق أبو حماد ثم الاتجاه يسارا وأجابنى: خلاص أنا خدمت في المنطقة دى وأنا عارف وانصرف».

وعن لقائه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قال: في عام 1963 تقريبا كنت ضمن منظمة الشباب، وأشغل مقرر الدعوة والفكر بها، وأبلغني أحد أعضاء قيادة الثورة وينتمى للعائلة الأباظية أن أحد قيادات مجلس الثورة ويدعى(أنور السادات) يرغب في زيارة القرية، وكان حينها يشغل منصب رئيس مجلس الأمة، فاستأجرت ما بين (70- 80) كرسيا والاستعانة بـ«ترابيزات المدرسة» وأقمشة وعملت مسرح، فجاء مندوب من أمن الشرقية، وسأل مين اللي عامل كده، فقال له بعض الأفراد «ده حسنى هداهد» يا فندم فقام باستدعائي وصرخ في وجهى قائلًا: «اللي أنت عملته ده يليق بعضو مجلس قيادة الثورة.؟! وفور وصول السادات كنت خايف من رد فعله جدا لو شاف الوضع ده، وعقب صعوده المنصة وجه سؤالا للحضور«مين اللي عمل الصوان ده؟» فنظر إلى المندوب وقال لي رد بقي عليه يا حسنى.. وأجبته: أنا يافندم اللي عملته وعلي نفقتى الخاصة وكان الرد.. ليه يا ابنى كلفت نفسك أنا كنت عاوز أقعد مع الفلاحين بس.
الجريدة الرسمية