رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الله.. والـ«فيس بوك»


ليس لله- جلَّ في عُلاه- حسابٌ على موقع التواصل الاجتماعى الأشهر "فيس بوك". والملائكة الأبرار، لا يحمل كلٌ منهم حاسوبًا شخصيًّا، ليسجِّلوا الحسنات ويرصدوا السيئات، ويعلموا من الصالح من بيننا ومن الطالح، من واقع منشوراتنا على حساباتنا على "فيس بوك".


مواقع التواصل الاجتماعى لم يتم تدشينها لتكون منصَّاتٍ للابتهال إلى الله والتضرع إليه. اللهُ –سبحانه وتعالى- أمرنا في كتابه الكريم قائلًا: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً". وهو – تباركت أسماؤه- يعلمُ خائنة الأعين وما تُخفى الصدور. الدعاءُ عبر "فيس بوك" لا يكتسبُ ميزة ولا يضمن قبولًا، أو سرعة في الوصول.

ولكنَّ الإخلاص في الدعاء هو الفيصلُ. قبلَ زمن مواقع التواصل الاجتماعى بأكثر من أربعة عشر قرنًا.. أنزل اللهُ قوله تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، فالله -سبحانه وتعالى- أقربُ إلينا من حبل الوريد. إنْ كنتم صادقينَ مع أنفسكم فلتنزِّهوا اللهَ إذنْ عن مثل هذا السُّخف، تعالى اللهُ عما تصفون.

كما أن الملائكة لنْ تنخدعَ بحساباتنا على "فيس بوك" عندما نمطرُها بالمنشورات الدينية، ولن تترجمها إلى مزيدٍ من الحسنات. وما قاله القرآنُ الكريمُ عن الدعاء قاله أيضًا عن الذِّكر: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ".

الإخلاصُ في العبادة لا يكون بمثل هذه التصرفات الصغيرة. العواهرُ اللاتى يملأن حساباتهن على "فيس بوك"، كلَّ خميس، بالآيات القرآنية والأدعية والأذكار.. هل يتوهمن مثلًا أنهن بذلك يغسلنَ سمعتهن أو يُكفرِّنَ عن معاصيهن؟ وأولئك الذين يمشون بين الناس بالغيبة والنميمة والسبِّ والقذف وأكل الحقوق بالباطل والسرقة والرشوة..

هل يعتقدون أنهم عندما يحشدون الآية تلو الآية، والحديث تلو الحديث، والدعاء تلو الدعاء، على "فيس بوك" يخدعون السماء؟ إن التوصيف الحقيقى لمثل هذه الظاهرة هو أن أصحابها إلى النفاق أقربُ. النفاقُ هو السلوكُ الأكثرُ تغولًا في المجتمع المصرى، والأعظمُ توغلًا في نفوس كثيرٍ مِنا.

التدينُ الشكلى واحدٌ من أسوأ الظواهر في مجتمع يوهمُ نفسَه بأنه "متدينٌ بالفطرة"، وإن أردتم الدقة فنحن مجتمعٌ مُتدينٌ "شكليًّا" بالفطرة. التدينُ الشكلىُّ والتدينُ الحقيقىُّ.. لا يستويانِ مثلًا. من المصريينَ مُنافقونَ بالفطرة وبالوراثة. ومنْ بينهم مًن يلجأون إلى النفاق اضطرارًا. ضمائرُهم الهشَّة لم تحتملْ هذا الواقعَ العنيفَ، فانخرطتْ في نفاق كلَّ صاحب قرار وسلطة للنجاة والفرار من بطشه واتقاءً لشرِّه.

تلكَ الحالة المُعقدة من النفاق قد تكونُ آلية للتعامل مع مجتمع يُصفق للمُنافقين والماكرين والمُخادعين ويصفهم بـ "الأذكياء اجتماعيًّا" ويرفعُهم إلى أعلى عِلِّيين، ويرفض الصادقين الواضحين الأنقياء ويصمُهم بـ "الأغبياء اجتماعيًّا" ويخسفُ بهم الأرض، ولكنها لا تُجدي - قطعًا - مع السماء وربِّ السماء. ربما اضطرتْ الظروفُ بعضَنا إلى اتخاذ النفاق سلوكًا للتعايش في أجواءَ لا ترضى عنه بديلًا، ولكنْ من الغباء أن نتخيل أن النفاق يصلحُ سبيلًا للوصول إلى الله وخداع ملائكته والتماكر والتحايُل عليهم.. قبلَ الثورة التكنولوجية بمئات الأعوام. 

حذرتْ السماءُ من منافقى الأرض، وخصَّص القرآن الكريم سورة أسماها: "المنافقون"، قال عنهم فيها: "وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". كما تحدث عن المنافقين في مواضع شتى بعيدًا عن السورة المذكورة. "فيس بوك" ليس ساحة للأذكار، ولا حلبة للتلاسُن والصراع وهدم الأوطان، ولكنَّه مُجرَد مَنصَّة للتواصُل الاجتماعى.. ليس إلا.. فيا أيها المنافقون "افتراضيًّا".. هل أنتم مُنتهون "واقعيًّا"؟
Advertisements
الجريدة الرسمية