رئيس التحرير
عصام كامل

عبثُ الأقدار!!


قولًا واحدًا.. الأقدارُ ليستْ عابثة، نحن نظلمُها، ونُحمِّلها فوق طاقتها، الأقدارُ مظلومة لا ظالمة. نحنُ من نخلقُ عبث أقدارنا بسذاجتنا تارة، وبسوء نوايانا وضمائرنا وقلوبنا تاراتٍ أخرى. نحنُ من نسيء الاختيار ونتسرعُ فيه: اختيار الزوج/ الزوجة، العمل، الأصدقاء.. إلخ، ثم إذا جاءتْ العواقبُ وخيمة والنتائجُ كارثية، لا نلومُ أنفسنا ونعترفُ بأخطائنا وخطايانا، ولكن نُعلِّقُها بكل أسفٍ وبلاهةٍ على شماعة "الأقدار العابثة".


ربما تكونُ قد تعجلتَ في اختيار زوجتك، أوقفت نشاط عقلك عن التفكير، لم تستجبْ لنصائح الأهل والمُقربين، ومن تهمُّهم مصلحتك وكل من قدَّم لك النصيحة بأنَّ تلك الزيجة غيرُ مناسبة لك، وأن هذه الزوجة لن تبنى معك حياة تنشدها، بل سوف تكون معولَ هدم لها، وتدفعك دفعًا إلى الموت المبكر أو السجن المؤبد إن لم يكن الإعدام.

وعندما تثبتُ لك الأيامُ أن رهانك غدا خاسرًا، وتوقعُك أضحى فاسدًا، لا تعترفُ بخطئك وبسذاجتك واندفاعك وتهورك، ولا تدين نفسك الأمَّارة بالسوء، ولكنك تدينُ الأقدار، وتتهمها بالعبث، وتتباكى كالثكالى. الاختيارُ الفاسد للشريك/ الشريكة، يدمرُ الحياة ويُنهيها نهاياتٍ ميلودرامية. كلَّ يوم.. تحملُ لنا صفحاتُ الحوادث أخبارًا عن زوج قتل أسرته، أو زوجة قتلت زوجها، وتلك المآسى نهاياتٌ منطقية لاختياراتٍ فاسدة. والاختيارات الرشيدة للشريك/ الشريكة، تقود غالبًا إلى حياة سعيدة ومُبهجة.

العبثُ ذاته، عبثُك أنتَ وليس عبثَ الأقدار، عندما تُنهى مرحلة الثانوية العامة وتستعدُّ للالتحاق بالجامعة، قليلون جدًا من يختارون الاختيار المناسب والدقيق لحياتهم العلمية وما يناسب قدراتهم ويحقق طموحهم، وقد يعيدون الثانوية العامة مرة واثنتين وثلاث مرات، حتى يحققوا هدفهم المنشود، وأولئك من لا يضلون الطريق غالبًا، ولا ينضمون لطوابير البطالة والعواطلية، ويتمتعون بحياتهم العملية والعلمية حتى آخر العمر.

كثيرون ممن تألقوا وتفوقوا علميًا غيَّروا مسارهم مبكرًا عندما تبين لهم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود، ولو استسلموا لاختياراتهم الأولى مثل غيرهم، ما سمع عنهم أحدٌ شيئًا، وما انضموا إلى عالم المشاهير وما صعدوا إلى منصَّات التتويج.

أما العشوائيون الذين يمنحون عقولهم إجازة مفتوحة، فيتركون أنفسَهم لقمة سائغة لمكتب التنسيق، ويطبقون المثل الجهول: "مطرح ما ترسى دُق لها"، ويلتحقون بكلياتٍ هي والعدمُ سواءٌ، لا تضيف إليهم شيئًا، ولا تفتح لهم بابًا للأمل، ويكتبون النهاية المبكرة لمستقبلهم العملى قبل أن يبدأ، تمامًا مثل الجنين الذي يموت في بطن أمه، ومن ثمَّ.. فإنهم سوف يندبون حظهم لاحقًا ويُلقون بفشلهم على الأقدار ويتهمونها بالعبث. ولو تمهلوا قليلًا واستشاروا من يفوقونهم خبرة وعلماَ واختاروا الطريقَ الصحيح، ما اقترفوا هذه الجريمة بحق بأنفسهم وذويهم والمجتمع والناس!

الأمرُ ذاتُه.. ينطبق على اختيار الأصدقاء، قد يكون من بين أصدقائك صديقٌ ماكرٌ متماكرٌ وحاقدٌ وبرجماتيٌّ، وتتلقى التحذير تلو التحذير من مصاحبته، ولكنك لا تبالى وتراهن عليه حتى تكتشف خيانته وقُبحه بنفسك، وحينئذٍ تتحمل أوزارها وحدك، ويصير في القلب غُصًّة لا تمحوها الأيام والليالى..

الأقدارُ هنا ليست عابثة ولا لاهية، ولكنك وحدَك من تتحمل مسئولية هذا العبث وذاك اللهو الذي تقترفه بحق نفسك.. وقسْ على ذلك كلَّ شئ، معظمُ أقدارنا نحنُ من نصنعُها ونرسمُها بغباء منقطع النظير غالبًا أو بحُسن نية أحيانًا. إذن.. هو ليسَ عبثَ أقدارٍ، بلْ عبثَ اختيارِ، الاختياراتُ السيئةُ والتقديراتُ المُتعجلة هي التي تقوُدنا إلى نهاياتٍ سيئةٍ.. أحسِنوا اختياراتِكم وأخلصوا معها النيَّة.. تطبْ بإذن الله أقدارُكم.
الجريدة الرسمية